من المفترض أنَّ لبنان يتميَّز عن غيره من البلدان، بخاصةٍ المجاورة منها، بأنَّه بلد الدِّيمقراطيَّة. فالنِّظام اللبنانيّ كرَّس حقَّ التَّعبير عن الرَّأي لجميع الُّلبنانيين، ولكن للأسف أصبح هذا الحقُّ أيضًا مكرَّسًا لجزء من الُّلبنانيين وممنوعًا على الجزء الآخر!
ها هم الشُّهداء يسقطون منذ العام ٢٠٠٥، من سياسيِّين وصحافيِّين وأمنيِّين، والقاتل معروف الهويَّة! فهاشم السِّلمان قُتِل مباشرةً على الهواء أمام أعين الجميع، ولم تتحرَّك القوى الأمنيَّة لإلقاء القبض على الفاعل. أمَّا ميشال الدُّويهي مثلًا، فهو إنسان حرّ، يعبِّر عن رأيه بكلِّ صراحة (بغضِّ النَّظر عمَّا إذا كان مخطئًا أو محقًّا برسالته)، وقد كرَّس له القانون الُّلبنانيّ حقَّ التَّعبير أيضًا. لم تقتله الجهة التِّي اعتادت على القتل بل اعتقلته القوى الأمنيَّة بدل أن تعتقل قتلة جميع هؤلاء الشُّهداء!
هناك من شتم رؤساء ورجال دين وأمنيين ولم يتجرَّأ أحد على ملاحقته! هناك من يعتدي بشكل ٍيوميّ على حقوق الناس، من يسرق أرزاقهم، من يبتزُّهم، من يستقوي بسلاحه غير الشَّرعي عليهم، من يتاجر بالممنوعات، من يقتل بدون حسيب أو رقيب، من يعطِّل المؤسَّسات... جميع هؤلاء ما زالوا أحرارًا يتمتَّعون بكامل حقوقهم المدنيَّة، لا بل يتمتَّعون بحريَّة لم يحصل عليها الأبرياء في هذا الوطن. أمَّا من يعبِّر عن رأيه، فيصبح مكبَّل اليدين، مرميًّا في السِّجن كالمجرمين... فأين هي حريَّة التَّعبير التِّي تُعتبر ميزة بلد الأرز؟ فلنترك هذه الحسنة على الأقل، هي التِّي تُعتبر المنفذ الوحيد للبنانيين لكي يرفعوا صوتهم في وجه جميع تلك التَّجاوزات. كيف لكم أن تسلبوها منَّا وتتركون جميع هؤلاء الخارجين عن القانون يسرحون ويمرحون وما من أحد يسأل أو يسائل؟!
أخيرًا، يجب أن تكون حريَّة التَّعبير مقدَّسة أكثر من السِّلاح غير الشَّرعي الذِّي يحاربها! حريَّة التَّعبير هي التِّي جعلت من لبنان وطنًا متعدِّد الأديان والأحزاب. أسلبوا حريَّة القاتل والسَّارق وكلّ من يتجاوز القانون لكي لا يُسلَب لبنان منَّا، ولكي لا نواجه ثورات مشابهة لتلك التِّي تحصل في الدُّول العربيَّة!