إنَّه من العوامل الرَّئيسيَّة لوفاة ملايين الأطفال في العالم سنويًّا. قد تزيد أعراضه في الصَّيف أمَّا أسبابه فقد تترواح بين التسمُّم الغذائيّ والسَّفر، فيما يبتعد علاجه الفعَّال عن بعض السُّلوكيَّات الشَّائعة... والخاطئة!
إنَّه الإسهال!
الإسهال هو عبارة عن زيادة في توتُّر حركة الأمعاء أو نقص في شكل البراز (إذ يصبح البراز أكثر رخاوة من البراز العاديّ بسبب إزدياد كميَّة المياه فيه)، وفي بعض الأحيان قد يرتبط العامل الأوَّل بالثَّاني. تختلف حالة الإسهال عن حالات أخرى تتشابه فيها الأعراض، لكنَّها تحتاج إلى علاجات متنوِّعة مثل عدم القدرة على التحكُّم بحركة الأمعاء حتَّى الوصول إلى المرحاض، أو التبرُّز غير المكتمل الإخلاء، أو حركة الأمعاء التِّي تظهر مباشرة بعد تناول أي وجبة.
أنواع الإسهال
هناك نوعان من الإسهال ألا وهما: الإسهال الحادّ والإسهال المزمن. يرتبط الإسهال المزمن بإصابة الشَّخص بمرض عضَال مزمن مثل سرطان الأمعاء وداء كرون (Crohn's Disease) أو غيرهما. أمَّا الإسهال الحادّ فيستمر من بضعة أيَّام إلى أسبوع وهو ما يصيبنا عادة، وأسبابه الأكثر شيوعًا هي: العدوى الفيروسيَّة والبكتيريَّة والطفيليَّة، فضلاً عن التسمُّم الغذائيّ أو تناول دواء جديد. من ناحية أخرى، يشكِّل فيروس التهاب المعدة والأمعاء (عدوى فيروسيَّة في المعدة والأمعاء الدَّقيقة) أحد الأسباب الأكثر شيوعًا للإسهال الحادّ في جميع أنحاء العالم. تستمرُّ الأعراض عادة (كالغثيان والقيء والمغص والإسهال) بين 48 و72 ساعة، ومن المرجَّح أنَّه ينتقل من شخص إلى آخر عبر الإتِّصال المباشر.

التسمُّم الغذائيّ
من جهة ثانية، يسبِّب التسمُّم الغذائيّ (السُّموم التِّي تفرزها البكتيريا) ألمًا في البطن (مغص) مصحوب بأعراض التقيؤ، فضلاً عن إفراز كميَّات كبيرة من المياه في الأمعاء الدَّقيقة ما يؤدِّي إلى الإسهال. لا تستمر عادة أعراض التسمُّم الغذائي أكثر من 24 ساعة. تجدر الإشارة إى أنَّ بعض أنواع البكتيريا تنتج السُّموم في الطَّعام قبل أن يُؤكل، وبعضها الآخر ينتج السُّموم بعد تناول الطَّعام.
إسهال المسافر
قد يتعرّض السيَّاح الذِّين يزورون دولًا ذات مناخ حارّ والتِّي يكون الصَّرف الصِّحي فيها ملوَّثًا، للإصابة بـETEC ( وهو نوع من البكتيريا القولونيَّة) عن طريق تناول الأطعمة الملوَّثة، مثل الفواكه والخضار والمأكولات البحريَّة والُّلحوم النيِّئة والمياه ومكعَّبات الثَّلج. تسبِّب السُّموم التِّي تنتجها ETEC بظهور مفاجئ للإسهال، مع تشنُّجات في البطن وغثيان وتقيؤ في بعض الأحيان. تحصل هذه الأعراض عادة بعد 3 إلى 7 أيَّام من وصولهم إلى بلد أجنبيّ، وتنحسر عموماً خلال 3 أيام.

بكتيريا الأمعاء
عادة، تغزو البكتيريا المسبِّبة للأمراض الأمعاء الصَّغيرة وتسبِّب التهاب الأمعاء والقولون. ويتميَّز التهاب الأمعاء البكتيريَّة بعلامات الالتهاب (كالدَّم في البراز مع ظهور الحمى) وآلام في البطن. كما قد يؤدِّي شرب المياه الملوَّثة أو تناول الأطعمة الفاسدة (كالخضار والدَّواجن والألبان) إلى ظهور بعض أنواع هذه البكتيريا. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الإصابة بأعراض مماثلة تتكاثر في فصل الصَّيف، مع ارتفاع درجات الحرارة التِّي تنمو خلالها بعض أنواع البكتيريا.
الطفيليِّات
ليست الأمراض الطفيليَّة من أكثر الأسباب الشَّائعة للإسهال. تحدث العدوى (الجدريَّة) بين الأشخاص الذِّين يقصدون المرتفعات والجبال، وتنتقل عبر مياه الشُّرب الملوَّثة. عادة، لا تترافق العدوى في حالات مماثلة مع الالتهاب أو دم وقيح في البراز. أمَّا حالة عدوى الأميبا (الدّوسنتاريا الأميبيَّة) فتحصل عادة خلال السَّفر إلى الدُّول الناميَّة، ويتزامن ذلك مع علامات التهاب (دم أو قيح في البراز والحمى).
الأدوية
الأدوية التِّي تسبِّب الإسهال شائعة جداً، بدءاً من مضادات الحموضة إلى المتمِّمات والمكمِّلات الغذائيَّة التِّي تحتوي على الماغنيزيوم.

متى نستدعي الطَّبيب؟
معظم نوبات الإسهال خفيفة ومدَّتها قصيرة، ولا تحتاج إلى استدعاء الطَّبيب. لكنَّ المسألة تتطلَّب إستشارة طبيَّة في هذه الحالات: ارتفاع درجة الحرارة (أكثر من 38.5 درجة مئويَّة)، ألم شديد في البطن، الإسهال الدَّموي الذِّي يشير إلى التهاب معوي حادّ، الإسهال عند الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة كالسكَّري وأمراض القلب والإيدز (وفي حالات مماثلة، يزيد الإسهال من نسبة الجفاف في الجسم ما قد يؤدِّي إلى عواقب أكثر خطورة)، الإصابة بإسهال شديد من دون ظهور أيِّ تحسُّن بعد مرور 48 ساعة، التقيؤ الذِّي يستمر فترة طويلة ويمنع المريض تاليًا من شرب السوائل، الإسهال الحادّ لدى الحوامل، الإسهال الذِّي يحصل أثناء المباشرة في استعمال المضادات الحيويَّة أو بعد الإنتهاء منها، الإسهال الذِّي يصاب به بعضهم بعد العودة من بلدان ناميَّة (تكثر فيها الحشرات أو الفيروسات الخطرة) أو بعد التَّخييم في الجبال، الإسهال الذِّي يتطوَّر لدى الذِّين يعانون أمراضًا معويَّة مزمنة مثل التهاب القولون أو داء كرون ( قد تٌعتبر أعراض الإسهال في هذه الحالة إشارة لتفاقم المرض الأساسيّ أو إلى مضاعفاته).
كيف يمكن معالجة الإسهال؟
يجب ألَّا تلجأ إلى أدوية توقِّف الإسهال. من الأفضل أن تزيل السُّموم والبكتيريا والطفيليَّات مع خروج البراز، عوض الاحتفاظ به في جسمك. في غضون ذلك، اشرب الكثير من الماء وتناول الكثير من الفواكه والخضار والنشويَّات، واعلم أنَّ الفواكه والخضار تساعد في إضافة الوزن إلى كتل البراز. أمَّا المشروبات الرِّياضيَّة فتعوِّض الأملاح التِّي يفقدها الجسم، لذا لا ضرر من الإستعانة بها. كذلك، يجب الحصول على قسط كبير من الرَّاحة وتجنُّب الحليب لأنَّه قد يطيل فترة الإصابة. إذا استمرّت المشكلة لمدَّة تزيد عن 3 أيام، تصبح الإستشارة الطبيَّة ضرورية. أخيرًا، يجب الإكثار من الاهتمام بالنَّظافة والتأكُّد من غسل اليدين وتنظيف الأظافر بعد الذَّهاب إلى دورة المياه وقبل تناول وجبات الطَّعام.

سنويًّا، يموت نحو 1.5 مليون الأطفال لم يتعدُّوا الخامسة عامًا بسبب الإسهال، وذلك وفقًا لتقرير مشترك لـ"اليونيسف" ومنظَّمة الصِّحة العالميَّة. يتجاوز هذا الرَّقم عدد ضحايا الإيدز والملاريا والحصبة مجتمعين. في هذا السِّياق، توصَّلت الدِّراسة التِّي تضمَّنها التَّقرير إلى إمكان خفض نسبة الوفيَّات بنحو 50% سنويًّا في حال تمَّ اتِّباع علاجات بسيطة وسهلة، ترتكز على إعطاء المصاب سوائل مشبعة بالأملاح الضروريَّة التِّي كان قد خسرها من جرَّاء الإسهال. إضافة إلى ذلك، يجب الاعتماد على مكمِّلات الزَّنك. كذلك، أظهرت الدِّراسات أنَّ الرِّضاعة الطبيعيَّة تعزِّز مناعة الطِّفل وتقاوم الإسهال، فضلاً عن الحرص على النَّظافة طبعًا، عبر غسل اليدين بكثرة وشرب المياه النَّظيفة.