تتكدَّس جبال النُّفايات في بلادي... جبال من بشر وأخرى من حجر! جبال الحجر يُمكن فرزها وإعادة تدويرها لتصبح موادًا غير سامَّة. بيد أنَّ جبال البشر هي هي، تُفرَز ولا تُدوَّر، تزول ولا يزول مفعولها... فكم نحن بحاجة اليوم إلى مبدأ "الإنسان المناسب في المكان المناسب" وكم علينا أن نرمي بعض النُّفايات... للأبد! أمَّا وقد طرحنا موضوع النُّفايات، دعونا ننتقل إلى نفايات من نوع آخر. هذه المرَّة نفاياتنا من النَّوع الذِّي يلمع! نعم يا أحبَّائي، نفايتنا اليوم هي المال... فكم من مرَّة، لوَّث فيها المال قلوبنا وعقولنا وضمائرنا؟! وهل نتذكَّر عدد المرَّات التِّي وجدنا فيها رائحة المال نتنة أكثر من رائحة النُّفايات؟ لقد حان الوقت لفضِّ هذه المعادلة!
بعد أن طال الغلاء المعيشيِّ المواد الغذائيَّة وأسعار النَّفط – قبل أن يُسيطر داعش على حقول النَّفط في العراق- وأقساط المدارس، وقع ما كان في الحسبان، حيث أقدم عدد من الجامعات اللبنانيَّة على رفع الأقساط بشكل مفاجىء، من دون سابق إنذار. وفي التَّفاصيل، أقدمت بعض الجامعات اللبنانيَّة، المسيحيَّة خصوصًا، على رفع أقساطها، مبرِّرة ذلك برفع المستوى التَّعليميِّ. كذلك، أشارت بعض الجامعات إلى أنَّها تهب منحا دراسيَّة كاملة للطلَّاب المتفوِّقين، ناهيك عن المساعدات الاجتماعيَّة التِّي يمكن أن تغطِّي نصف القسط. وبالتَّالي، لم نفت الجامعات جميع التُّهم الموجَّهة إليها لناحية سرقة التلَّاميذ أو ابتذاذهم، إذ إنَّهم بدأوا مشوارهم الدِّراسيّ استنادًا على قسط معيَّن وها هم اليوم يدفعون أضعاف هذا السِّعر.
في المقابل، رفض التَّلاميذ قبول هذا الواقع فاعتصم طلَّاب جامعة الرُّوح القدس- الكسليك العام الفائت وها هم طلَّاب الجامعة الأنطونيَّة يقومون بالأمر نفسه هذا العام. فالطلَّاب يجدون أنَّ من غير المقبول، في بلد كلبنان تحديدًا، أن يكون القسط مرتفعًا إلى هذا الحدِّ، خصوصًا أن أغلبيَّتهم تعمل لتتمكَّن من التعلُّم ومن نيل شهادة تجنِّبها العوز والتشرُّد في المستقبل. كطالبة في جامعة الرُّوح القدس، أعتبر أنَّ التَّفاوض حقٌّ مشروع وقانونيِّ! لكنَّني أجد أنَّ الطُّرق الرَّاقية هي التِّي تُوصل إلى نتائج مثمرة وليس الطرق الاستفزازيَّة السوقيَّة. لذلك، وإذا ما أراد الطلَّاب في أيِّ جامعة كانت، أن يوصلوا صوتهم، عليهم أن يوصلوه بأساليب تليق بطلَّاب الجامعات وليس بأبناء الشَّوارع!
في النِّهاية، يبقى التعلُّم حقًّا لجميع النَّاس مهما كان وضعهم الاجتماعيّ والاقتصاديّ. فلتعمل الحكومة إذًا – إذا استفاقت من غيبوبتها – على رفع مستوى الجامعة اللبنانيَّة أكثر فأكثر وعلى توفير الجوِّ المناسب للتعلُّم، عوضًا عن أجواء الفلتان... كتلك السَّائدة في بلد النُّفايات!