ساد نظام الأبارثيد في أفريقيا الجنوبية بين عامي 1948 و1994, والذي قام على أساس الفصل العنصري بين المواطنين البيض والسود، فقسم الشعب بين مواطن ذو حقوق مكتملة ومواطن درجة ثانية.
أما في لبنان، فهناك من رسخ منذ بداية زمن الاحتلال السوري أن دولة الأبارثيد لصالح شعبه وطائفته، على حساب باقي الشعوب والطوائف. فمواطن الدرجة الأولى يسمح له أن يغتال الضابط الطيار سامر حنا، وأن يضغط على القضاء لإعتقال أربعة ضباط في الجيش اللبناني إثر أحداث مار مخايل، وأن يزيل حواجز الشرطة والدرك في مناطقه، وهو من يمنع أو يجيز للدولة أن تضبط الأمن (بشهر أمني أو غيره). يحق له أن يعدم مواطنين عزل وابرياء في السابع من ايار، وأن يعتدي على وسائل إعلامية (صديقة وخصمة)، وأن يحمل شتى أنواع السلاح من خفيف ومتوسط وثقيل. في المقابل، مواطن الأبارثيد (أي الدرجة الثانية)، يتعرض لأشنع المضايقات، في أحيان كثيرة من دون المحافظة على أبسط حقوقه المدنية، في حال ضبطت معه بندقية صيد وطلاب الأبارثيد يبرحون ضرباً إذا طالبوا بكتاب تاريخ ينصفهم.
يحق لمواطن الدرجة الأولى أن ينسج العلاقات الدولية بالإتجاه وبالشكل الذي يراه مناسباً، ولو أتت على حساب الوطن المفترض أن ينتمي إليه. فولاية الفقيه، كما يقول الخميني في كتاب "الحكومة الإسلامية" لا تشبه سلطة الفاتيكان، بل تطال جميع أبعاد الحكم. ووزير خارجية لبنان يتصرف وكأنه عضو في خلية الأزمة في النظام السوري. في المقابل، يتهم هذا الفريق مواطني الأبارثيد بالعمالة لقوى خارجية، رغم أنه يحمل شعار "الثورة الاسلامية في لبنان". كذلك، يجوز لمواطن الدرجة الأولى أن يعلن الحرب على من يشاء، وفي التوقيت الذي يشاء، وعلى مواطن الأبارثيد أن يتحمل معه أوزار القرار دون إعتراض أو جدل، ودون أن يشارك في هذا القرار.
في دولتنا، لا يقف القانون في وجه مواطن الدرجة الأولى. يشيد الأبنية حيث يشاء، ولو على أرض غيره، فمواطن الأبارثيد لا يتمتع بحق التملك. فقد رصد المجلس الشيعي الأعلى 4400 وحدة ثكنية عام 1994 في الضاحية والجناح والأوزاعي فقط... فكم أصبح عدد الوحدات المخالفة في 2012 وفي كل لبنان؟ وأبرز مثال على تفاقم هذه الظاهرة ما يحدث من قضم لأراضي الكنيسة المارونية في لاسا. أما الرسوم الجمركية والضرائب وفواتير الكهرباء، فلماذا يسددها مواطن الدرجة الأولى، فيما يقع مجمل عاتقها على مواطن الأبارثيد؟ أيضاً وأيضاً، لا ممنوع على مواطن الدرجة الأولى، فمن الطبيعي أن يعترض على تلف الممنوعات في البقاع لأن زراعتها حق مكتسب... وليست معامل الكبتاغون في الحوزات الدينية إلا رأس جبل الجليد... وهكذا دواليك فيما يخص تهريب البضائع وتجارة الأسلحة وتبييض الأموال. في المقابل، يقمع مواطن الأبارثيد بشكلٍ مهين في حال ركب خزان مياه على سطح منزله.
كذلك الأمر، من الطبيعي أن تعتبر الدولة العبرية عدو لأنها ارتكبت مجازر في لبنان، قتلت فيها مواطنين فئة أولى. في المقابل، يبقى النظام السوري البربري شقيق، بالرغم أن مجازره في بلاد الأرز فاقت مجازر إسرائيل بأضعاف، لأن تلك المجازر طالت مواطنين الأبارثيد فقط لا غير، الذين لا حق لهم في الحياة. ونفهم جيداً بناءً على ذلك، أن يحصل المحررون من السجون الاسرائيلية على تعويضات من الدولة اللبنانية، بينما ترفض معاملة المحررين من السجون السورية بالمثل. فهل تجوز المساواة بين مواطن فئة أولى ومواطن ابارثايد، ولو تحصل الأول على شهادة دكتورا في إسرائيل، فيما تعرض الثاني إلى أفظع أشكال التعذيب والتنكيل على أيدي جلادي نظام الأسد... ونظام الأبارثيد يطال حتى الشهداء: فيحق لمواطن الدرجة الأولى أن يعتبر سفاحي نظام مجرم "قادة شهداء"، في وقت يتباهى بإغتيال قائد الشهداء الحقيقي فخامة الرئيس الشيخ بشير الجميل... وطفح الكيل!
طفح الكيل وحان الوقت أن ننتفض على دولة الأبارثيد ونعبر إلى الدولة المدنية القوية. والدولة المدنية لا تعني إلغاء الطوائف، بل تعني أن الطائفة ليست المعيار الذي يحكم علاقة الدولة بمواطنيها. لكنها تعني أن القانون هو الذي يحكم علاقتها بهم، حيث يتساوون جميعهم أمام هذا القانون. وقد برهنت التجربة في أفريقيا الجنوبية أن لا أمن، ولا سياسة دفاعية، ولا خطط إقتصادية، ولا شبكات أمان إجتماعية، ولا تطور تكنولوجي، ولا تحسين في ظروف المعيشة في ظل نظام الأبارثيد. إنطلاقاً من هنا، تبدأ معركة بناء الدولة عبر إزالة هذا النظام.
في جنوب أفريقيا، إنتهى نظام الأبارثيد عام 1994 عندما إنتخب نلسن ماندلا رئيساً للجمهورية، بعد أن قضى 27 سنة كسجين سياسي. فهل تأتي نهاية دولة الأبارثيد في لبنان عبر تبوء سجين سياسي آخر لسدة الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2014 ؟