"الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون." ليس هناك أصدق من هذه الكلمات للتَّعبير عن المأساة، نعم المأساة، التِّي يعيشها عدد ليس بقليل من أطفالنا اليوم. فناهيك عن الاستغلال الجنسيّ والجسديّ والمعنويّ، يصطدم واقعنا اللُّبنانيّ بمشكلة من العيار الثَّقيل ألا وهي مشكلة الأطفال "مكتومي القيد". تتبدَّل الأزمنة وتتطوَّر المجتمعات، وحال لبنان هي هي منذ آلاف العصور وحتَّى يومنا هذا. وينادون بالإنسانيَّة! إنَّ الإنسانيَّة يا أحبَّائي تبدأ بقيمة الإنسان فأرشدوني أرجوكم إلى قيمة الإنسان عساني أجدها في زاوية أو شارع ما من لبناني المنهك الضَّائع.
إنَّ الطفل المكتوم القيد لا وجود له قانونيًّا! إنَّه من المعيب حقًّا أن يتواجد حوالي 80000 لبنانيّ لا تعترف الدَّولة بهم وكأنَّهم أشخاص وهميُّون أو افتراضيُّون، يضاف إليهم حوالى 31000 سوريّ مولود في لبنان من دون أن يتمكَّنوا من الحصول على أوراق ثبوتيَّة رسميَّة. إنَّ السُّؤال الذِّي يُطرح هو كيف يمكن الوقوع في هذه المشكلة؟ في أغلبية الأحيان، لا يسجِّل الأهل أطفالهم لأسباب شخصيَّة أو بسبب مكوثهم خارج لبنان، إشارة إلى مشكلة الزَّواج المدنيّ على الأراضي اللُّبنانيَّة التِّي تؤدِّي إلى عدم الاعتراف بالأطفال الذِّين هم ثمرة هكذا زواج. تتعدّد الأسباب والنَّتيجة واحدة: طفل غريب في أرضه، لا يستطيع الالتحاق بالمدرسة أو بالجامعة، لا يستطيع الدُّخول إلى المستشفى، لا يستطيع العمل، لا يستطيع التَّمتُّع بحقوقه المدنيَّة كلاقتراع مثلا... كذلك، يتعرَّض هؤلاء الأطفال، دون سواهم، للعنف إضافة إلى الاتجار بهم من دون حسيب أو رقيب!

وأصبح الخامس والعشرين من شباط "يوم مكتوم القيد" بأمر من وزير الشُّؤون الاجتماعيَّة رشيد درباس. إنَّ هذه الخطوة البسيطة تُعتبر مهمَّة في الوقت عينه لأنَّها تهدف إلى توعية المواطنين حول أهميَّة تسجيل أطفالهم فور ولادتهم عبر الاتِّجاه نحو مأمور النُّفوس الذِّي يحتِّم عليهم الحصول على شهادة ولادة من الطَّبيب أو القابلة القانونيَّة مصدَّق عليها من المختار ثمَّ يوقِّع الأهل على وثيقة الولادة قبل أن يصدِّق المختار عليها وهكذا يسجِّل مأمور النُّفوس الطِّفل. أمَّا إذا كان الأهل يقيمون في الخارج، فعليهم التَّوُّجه على القنصليَّة اللُّبنانيَّة.
مشكلة يمكن تجنُّبها إذا ما تضافرت جهود الوزارات المعنيَّة مع جهود الأهل ووعيهم. فمصير أطفالكم مرتبط بحكمتكم، لا تدمِّروا مستقبلهم بأيديكم ولا تدعوهم يضرسون...