يعيّد اللبنانيون اليوم عيد القديسة بربارة. فنرى الأولاد متحمسين لإرتداء زيهم التنكري، و ربات المنازل تحضّر القمح، والأباء يرافقون اولادهم لزيارة بيوت الحي.
نعم، في بعض المناطق اللبنانية لا يزالون يحافظون على هذه العادات التي اكتسبنها من أجدادنا! من هي القديسة بربارة؟ ما قصتها؟ هل للمأكولات التقليدية أي رمزية دينية؟ لمعرفة قصة حياة القديسة بربارة، توجهنا إلى رعية كنيسة السيده في الاشرفيه، وتحدثنا مع أحد الكهنة الذي خصنا بهذا الحديث:
عندما تجري بحث عن القديسة بربارة، نرى بعض المواقع تؤكد أن بربارة ليست قديسة وأن الفاتيكان أبطل قداستها، فهل القديسة بربارة، معترفٌ بها في الكنيسة؟
هذا الموضوع عارٍ عن الصحة، القديسة بربارة معترفٌ بها! ونعيد لها في الرابع من كانون الأول من كل سنة. هذا العيد ثابت والكنيسة عينته.
القديسة بربارة لبنانية؟
بعلبكية، يعني القديسة بربارة لبنانية ومش لبنانية. لأنه في تلك الفترة الزمنية، لم يكن هنالك من دولة لبنان، بل كانت حدود الدولة الرومانية، وكانت مدينة بعلبك ضمن الإمبراطورية. على مفهوم اليوم بعلبك هي ضمن لبنان، وبالتالي فهي لبنانية.
القديسة بربارة كانت وثنية، من قام بتبشيرها؟
في القرون الأولى للمسيحية، بدأت المسيحية تنتشر، وكان هنالك حشرية لدى الناس لمعرفة تفاصيلها. كانت المدارس في تلك الأيام فلسفية. اليوم أنت تدرس الطب، الهندسة ولكن في تلك الأيام كان المتعلم هو الذي تعلم الفلسفة، طبعاً كان هناك تعاليم بدائية أخرى للطب، القانون،... ولكن الفلسفة في تلك الزمن كانت أمّ العلوم. أهم نقطة في الفلسفة هي الله: كيف تتعرف عليه؟ في الحقيقة تجتمع معظم صفات الفلاسفة عن الله مع تعاليم الكنيسة: الله الكلي القدرة... من هنا تعرفت على الله، و راسلت شخص معروف في ذلك الوقت في الكنيسة إسمه "اورجانس"، معلم كبير، وعلمها عن يسوع المسيح.
هل قامت الكنيسة حقاً بإبعاد "اورجانس" لأنه كان لديه بعض الأفكار الغريبة؟
الكنيسة لم تبعد "اورجانس" فهو من أعظم المعلمين في الكنيسة. المشكلة هي أنه لم يكن لديه معلمٌ لنفسه، فقد كان يأخد التعاليم من الكتاب. إعتبر جزءًا من تعاليمه "هرطوقية" وهي ٥٪ من مجمل تعاليمه. فاحتارت الكنيسة: هل هو "هرطوقي" أم قديس؟ فقررت أنه ليس قديساً، ولكن عندما يتم الحديث عن "اورجانس" بأنه هرطوقي، لا تتحمس الكنيسة لأنه صنع تعاليم عظيمة، وكتب كثيرة. صحيح أنه أخطأ في مكانٍ ما، ولكن الجزء الأعظم من تعاليمه كانت ممتازة ونحن اليوم نعلمها.
في المرحلة الأخيرة من حياة القديسة بربارة، يقول البعض أنها هربت إلى بستان قمح. هل من هنا تأتي عادة صنع القمح؟
مبدأ القمح ليس له علاقة في القديسة بربارة. نحن في الجنازات نصنع ال"كوليفا" أو ما يعرف في الجبال بال-"القمحية" (صينية مع قمح). وتأتي هذه العادة من الكتاب المقدس، حيث يقول أن حبة الحنطة وحبة القمح عندما تزرعهم يكبرون فيصبحون شجرة. لذلك التشبيه الأساسي للقمح مع الشهدا والأموات، هو أن الذي مات، أصبح كحبة القمح، زرعناها، كبرت وأصبحت شجرة. مفهوم الكنيسة للقديسة بربارة أنها هي أصبحت كحبة القمح التي زرعت والأن كلنا نذكرها، ونعيد لها، وحتّى نطلب شفاعتها، ونتعلم منها الكثير. هذا هو مبدأ القمح بغض النظر عن النهاية. لدينا أيضاً القديس اغناطيوس الذي نعيد له في ٢٠ كانون الأول: كانوا الرومان يسوقونه يريدون وضعه في الملعب، لتهجم الأسود وتأكله. وقد خيروه بين الموت والهرب. فقال لهم: "دعوني أكون حنطة اطحن على مذبح الرب". هذه فكرة القمح.
ماذا عن بقيت المأكولات؟
عادات شعبية لا أكثر.
ماذا عن تقليد التنكر، والتجول على البيوت؟
هربت بربارة من أبوها فإتخبئت وتنكرت. هذا هو المبدأ، عندما أصبح الجميع يرتدي زي تنكري. لكن هي تبقى عادة شعبية. تجدر الإشارة أن هناك تنكرات مخيفة في يومنا هذا. وأضاف ممازحاً:"فبلا ما تتنكر أحسن"
ماذا عن التنكر في عيد "هالوين"؟
هالوين، مبدأ آخر، فهو عيد جميع القديسين غرباً. مناسبة مختلفة كلياً. لا أعلم لم تم إختيار عيد جميع القديسين لفعل أمور لا علاقة لها بالعيد.
اجرينا مسح، تناول حوالي ٢٠٠ شخص، وقد لفتة انتبهنا أن حوالي ال ٧٠٪ من الأشخاص الذين يتراوح اعمارهم بين ١٢ و ٢٣ عاماً يتنكرون ويشاركون في عيد هالوين، بينما لا يشاركون بعيد القديسة بربارة. لماذا برأيك؟
السبب بسيط: دائماً ننظر إلى العالم الغربي على أنه متقدم، ونريد أن نفعل مثله. وهنالك أيضاً العامل التجاري.
هل تعتقد أن تقاليدنا تموت؟ خاصةً تقليد التنكر والتجول على البيوت.
العادات الإجتماعية تتراجع. مثلاً: منذ ٢٠ عاماً كانت الناس تزور بعضها في العيد ليتعايدو. أما الآن لا أحد يعيّد أحد. كنت تشتري ٣ كج من الشوكولا، ليكون كافياً. أما الآن تشتري نص كيلو ولا يأتي أحد. كما أن نظام ولاد الحي يختفي مع مرور الوقت. تراجعت هذه العادة بنسبة ٥٠٪ وقد تستبدل في الرعايا والمدارس ببعض الأنشطة.
برأيك، ما سبب تراجع هذه العادات؟ وخاصةً التجول على البيوت. أهو الخوف من الآخر؟
الخوف ليس جديداً، ففي أيامنا، في ال 85, دائماً كانوا الأهل يوصون اولادهم بالإنتباه. الأمور الأمنية ممكن أن تزيد من نسبة التراجع ولكن ليست السبب الرئيسي. العوايد التي كانت لم تعد موجودة في يومنا هذا.
ما الذي يمكننا أن نتعلمه من القديسة بربارة؟
أهم شي الثبات! ما نعيشه اليوم لا يقارن مع ما كانوا المسيحيون الأوائل يعيشونه! لنرجع قبل الحرب السورية، نحن لم نكن مضطهدين بمعنى أنه كان بامكانك ان تقدس ساعة تشاء. في زمان القديسة بربارة، أبوها سلمها لتقتل لأنها آمنت بالمسيح. هذا ما لا نعيشه في لبنان، ولكن مع هذا لا يذهب الجميع إلى الكنيسة، فلو ذهبوا جميع المسيحيين إلى الكنيسة نهار الأحد، سوف تمتلئ جميع كنائس لبنان ولن تقدر على الإستيعاب. نحن لا نضيف شيئاً للقديسين عندما نذكرهم، الله هو الذي قدسهم، انما نتعلم منهم، نتغذى منهم روحياً، نتمثل بهم.
باعتقادك، إن ارادت القديسة بربارة توجيه رسالة إلى مسيحي سورية والعراق، على ماذا تحتوي هذه الرسالة؟ ماذا تقول لهم؟
ستقول كلام المسيح بالطبع! لمسيحيي سورية والعراق، ستقول لهم "لا تخافوا أنا معكم" وبعدها "لا تخافوا من يقتل الجسد، بل خافوا من يقتل الروح". جميعاً سنموت في النهاية، وهذا أمر محسوم! لكن الشباب ينسون الموت ونقول لهم، اذكروا لقاءكم مع الله، الحياة سريعة! بينما الكبار، عندما يقتربون من الموت، يصبح الإيمان أهم لهم. هذا ليس عيد بربارة، أو عيد لأكل القمح، انما هو عيد القديسة بربارة التي تعذبت كثيراً. وبتالي يجب التشبه بها بموضوع ثباتنا.
نبذة عن حياة القديسة بربارة:
لا نعرف تماماً لا تاريخ إستشهاد القديسة بربارة ولا مكان استشهادها. بعض المصادر يجعل ذلك في مصر أو روما أو توسكانا (إيطاليا) أو اسيا الصغرى أو سواها، وفي تاريخ يتراوح بين العامين ٢٣٥ و-٣٢٣ للميلاد. امّا عندنا فهي من بعلبك.
والرواية التي تناقلتها الأجيال عنها تفيد بأنها كانت إبنة رجل وثني متعصب ذي ثروة ومجد وجاه، إسمه ديوسقوروس. وإذا كانت بربارة جميلة الطلعة فقد غار عليها أبوها من العيون، فأقفل عليها في قصره وجعل لها كل ما تحتاج إليه وما يسليها. وإذا كان الله قد اصطفاها، فقد تحرك قلبها إلى التأمل في الخليقة إلى أن بلغت الخالق وأدركت خواء الأصنام وضلال عبادتها. وبتدبير من الله التقت بربارة من بشرها بالمسيح فآمنت به ونذرت له بتولية نفسها لكي لا تلهو عنه بعريس أرضي أو تفرض عليها الوثنية فرضاً تحت ستر الزواج. فلما إكتشف أبوها أنها قد صارت مسيحية جن جنونه وأسلمها إلى مرقيانوس الحاكم.
حاول مرقيانوس، باللطف أولاً، أن يستعيد بربارة إلى الوثنية فخاب قصده. وإذ تهددها وتوعدها لم تتزحزح عن رأيها، فأسلمها إلى عذابات مرّة، جلداً وتمزيقاً بالحديد وسجناً فلم يلقى غير الفشل نصيباً. إذ ذاك أسلمها إلى الموت. وقد أبا والدها، بعدما إمتلأ حماقة وغيظاً، إلا أن يكون هو بنفسه جلادها، فقطع رأسها بالسيف.
وقد إرتبط بإسم الشهيدة بربارة، اليوم، إسم شهيدة أخرى هي إليانا (يولياني). هذه "لما تأملت في الميدان الرهيب الشهيدة المجيدة بربارة مجاهدة بالجلد والتعذيبات المتنوعة وقد تقطع جسدها بجملته" تحرك قلبها، وكانت وثنية، فتقدمت وإعترفت بأنها هي أيضاً للمسيح فقبض عليها الجنود وعذبوها حتى الموت فحظيت بإكليل الشهادة.
هذا وللقديسة بربارة إكرام مميز في الشرق والغرب معاً. الكل يعيّد لها اليوم. وقد شاع اكرمها منذ القرن الثامن أو التاسع للميلاد بعدما بانت سيرتها، كما نألَفُها اليوم، في القرن السابع.
والقديسة الشهيدة بربارة شفيعة الذين في الشدائد والأخطار. خدمتنا الليتورجية تقول عنها، وعن القديسة اليانا في آن، انهما "تلاشيان مضرّة الأمراض الوبائية". ويستجير بها المعرضون لخطر الصواعق، ربما لأن أباها، كما جاء في خبرها، قتلته صاعقة إذ قفل راجعاً إلى بيته بعدما فتك بإبنته. كذلك يستعين بالقديسة بربارة ذوو المهن الخطيرة، كفرق المدفعية في الجيش وصناع الأسلحة وعمال المناجم والبناؤون والنجارون.
يذكر إن كنائس كثيرة بنيت على إسم القديسة بربارة وإتخذت اسمها مدن عدة.
بالنسبة لرفاتها، يذكر البطريرك مكاريوس الزعيم إن جسدها نقله الملوك المسيحيون من بعلبك إلى مدينة القسطنطينية وبقي هناك. ثم لما آمن الروس بالمسيح في زمن الإمبراطور البيزنطي باسيليوس الثاني (٩٧٦ - ١٠٢٥م)، وزوج هذا الملك أخته لفلاديمير، أمير كييف، أعطى باسيليوس أخته رفات القديسة بربارة هدية، فأخذتها معها إلى كييف، وإن جسدها باقٍ على حاله، ناقص منه بعد الأعضاء. ويقول إنه شاهد الرفات هناك وتبرّك بها.
وترنم الكنيسة للقديسة بربارة، في صلاة السحر (الصلاة الصباحية) ، هذه الأنشودة المعبرة:
"يا بربارة الكلية الوقار، لما جزت سبيل الجهاد، فررت من رأي أجدادك، وكبتول حكيمة دخلت إلى ديار ربك حاملة مصابحك. وبما أنك شهيدة شجاعة، نلت نعمة لتشفي الأمراض الجسدية. فانقذينا، نحن مادحيك، من أسواء النفس بصلواتك إلى الرب الهنا".