قد يصحّ القول إنّ ميشال عون وتيّاره هما الضحيّة الأولى لانعكاس الأزمة السوريّة على لبنان.
فإذا عدنا قليلاً إلى الوراء لاحظنا أنّ "التفاهم" بين "حزب الله" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" كان تفاهماً بين قضيّة إقليميّة كبرى (سلاح المقاومة، مصالح الحلف السوريّ – الإيرانيّ) وبين قضيّة محلّيّة تافهة (وصول عون إلى الرئاسة). ومن دون أن ينوي "حزب الله" إيصال زعيم "التيّار" إلى الموقع الأوّل في الدولة، فإنّه غطّاه على الصعيد الوطنيّ بالقدر الذي أمّن "التيّار" لـ"حزب الله" غطاء مسيحيّاً.
لكنْ من النتائج التي أفضى إليها انعكاس الأزمة السوريّة على الوضع اللبنانيّ، أنّ حركة "حزب الله" لم تعد تتحمّل البطء والكياسة والمراعاة ممّا كان يمليه عليها "التفاهم" مع عون. صحيح أنّ حسن نصر الله أكّد في خطابه ما قبل الأخير استمرار التحالف مع الجنرال، إلاّ أنّ أخبار الخلافات، ولو أعيد ترقيعها، صارت تطغى طغياناً مبرماً على أخبار الاتّفاق. وما هو أهمّ من هذا أنّ "القضيّة الإقليميّة" للحزب صارت، في ظلّ محنتها السوريّة، قليلة الاكتراث بغطاء مسيحيّ أو غير مسيحيّ، لأنّ الموضوع الآن موضوع حياة وموت.
يُرجّح أن يترتّب على تحوّل كهذا انسحاب عونيّ تدريجيّ، إنّما متسارع، نحو مواقع مسيحيّة صافية وصريحة. وهذا، ربّما، ما أشّرت إليه مسألة المياومين وتثبيتهم. لكنّ المواقع المسيحيّة التي ستنكفئ إليها العونيّة لا تستبطن انفراجات وطنيّة ولا تنطوي على صورة إيجابيّة لعلاقات وطنيّة أسلم في ما بين الجماعات الطائفيّة. إنّها مرشّحة، في المقابل، لأن تراوح بين الحَرد الطفليّ كحدّ أدنى، واستدعاء الغرائز وتأجيجها كحدّ أقصى. وما يعزّز هذا التوقّع إحساس عميق بالإحباط لا بدّ أنّ العونيّ يعانيه اليوم:
فالتيّار الذي قطع مع "الغرب"، تجاوزه "الشرق" المهموم بهموم أكبر كثيراً من موقع ميشال عون في الحياة السياسيّة اللبنانيّة. وهذا المأزق معطوف على الصراع بين رغبة في الانسحاب من الحكومة كسباً للشعبيّة، وبين عجز عن تنفيذ هذه الرغبة كي لا ينهار كلّيّاً ذاك التفاهم مع "حزب الله".
بلغة أخرى، كلّ الدروب تبدو مسدودة، وما علينا سوى انتظار المفاجآت الغريبة على شكل كلام عونيّ ما أنزل الله به من سلطان. أمّا ما هو أكثر من الكلام فهذا فوق طاقة العونيّين.