عبادة قلب يسوع الأقدس
تحقيق JUN 24, 2014
»احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم «
(مت 11/29)


ها نحن نختتم شهر حزيران المخصَّص لِعبادة قلب يسوع الأقدس. يتكلَّل هذا الإكرام بالإحتفال بعيد القلب الأقدس، الموافق يوم الجمعة في 27 حزيران لهذا العام 2014. فما هو هذا العيد؟ لِما عبادة "قلب يسوع"؟ دعونا أيّها الأخوة ننفُض عنّا غبار الجهل لِنَعيَ معنى صلواتنا وإيماننا، فالسيّد قد أوصانا بطريقة واضحة وصريحة:" وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ" (مت6/ 7) كما وأعلن أيضًا:" لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت 7/21).

يَرِد السنكسار الماروني، عيد "قلب يسوع"، مباشرةً بعد عيد "خميس الجسد أو القربان"، ويوضِح أنَّ البابا إينوشنسيوس الثاني عشر  أثبت هذه العبادة سنة 1675. غير أنَّ الكنيسة المارونيَّة لم تُدخل هذا العيد إلى كلندارها حتى سنة 1691 في كنيسة مار الياس في حلب.
 

يرتبط عيد "القلب الأقدس" ارتباطًا وثيقًا بأحد القيامة الكبير (عيد الفصح المجيد) إمّا من ناحية المعنى اللاهوتي، وإمّا من ناحية تحديد يوم العيد، وهو دقيق جدًّا. فبعد 50 يومًا من القيامة تُعيّد الكنيسة لحلول الروح القدس على التلاميذ المعروف بعيد الخمسين (البنديكستي) أو أحد العنصرة المجيدة. ثمّ10 أيّام بعد العنصرة، تُكرِّم الكنيسة الجسد الإلهي (خميس الجسد) وهو الذي يًقدّم عيد "القلب الأقدس"  بـــــ 9 أيّام. إذًا يقع العيد دائمًا في يوم الجمعة بعد 9 أيام من خميس الجسد الإلهي المرتبط بأحد العنصرة وبالتّالي بأحد القيامة الكبير.

إنَّ هذا الإرتباط بعيد القيامة المجيدة يتخطّى البُعد الزماني والتحديد "الكلنداري" ليحمل في طيّاته عمقًا لاهوتيًّا يكشف للمؤمن سرّ الله الغير المعقول في كليّته. إنّ كلمة "قلب" لا تنحصر في معناها البيولوجي رغم أهميّة هذا العضو في استمراريّة الحياة، لا بل في أساسها. فنجده في السريانيَّة "lébo" أي "لِبّ" مُعطِيًا معنًى أعمق وأدقّ للكلمة. وإذا أردنا التكلّم عن "لبّ" الله الإبن، لعجِزَ الفكر، القلب واللسان عن أن يسبره. ولكن، الكلمة الأزليَّة، التي في حضن الله الآب، صار جسدًا مُتَّخِذًا اسم يسوع. فهو من كَشَفَ لنا سرّ الله المكتوم من قبل كلّ الدهور، هو ملء الوحي الإلهي وكماله. هو الذي قال في موضعٍ أوَّل :  " الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو أخبر عنه" (يو1: 18) وفي موضعٍ آخر: " الذي رآني فقد رأى الآب [...]صدقوني أني في الآب والآب فيَّ، وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يو 14/ 9و11).  من هنا التأمّل في قلب يسوع هو يعني الغوص في سرّ الله الذي ظهر جليًّا على الصليب، إنّه الحب الإلهي الذي لا يوازيه أي حبّ. إنّه خروج الله من ذاته الذي بدأ مع الخلق وتمَّ مع تنازل الإبن في التجسّد والموت فالقيامة. إنه عمل الروح القدس في خلق وتقديس وتنشئة كنيسة اليوم حتى بلوغ قامة ملء المسيح.  إنَّ الحبّ الإلهي هو فعل عطاء بفيضان وبمجّانيّة مُطلّقة يوجّهها الله بكل حريّة للإنسان شخصيًّا . أنّه فعل حياة حقيقيّة تُظهر بهاء هُويَّة الإنسان: صورة الله كمثاله، وشريكًا له في حياته الإلهيَّة. فالله الآب منح، بابنه الوحيد، الإنسانَ،  نعمة الشركة معه في المجد إذ جعل من قلبه أي لبّه هيكلًا لروحه القدّوس.  هذا الأخير الذي هو عطيّة الآب، يُشرِك الإنسان ببنوّة الإبن الكلمة يسوع المسيح لله الآب، فهذا هو الخلاص لا بل الملكوت: "ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله في داخلكم."  (لو17/20-21).
 


من القلب الإلهي فاض، من على الصليب الدم والماء، كينابيع للحياة المحيية للجميع والكافية للكل. منها نستقي ونتذوّق جمال التنازل الإلهي الثالوثي: فالآب بإرسال الإبن والإبن بالفداء والروح القدس بسُكناه في قلوبنا أي في لُبِّنا. فلا قوَّة لا في السماء ولا على الأرض تفصِلنا عن إلهنا إذ إنَّ لُبّنا أصبح مُلكَهُ ولا يحيا إلّا به. لذلك، لنعيّدنَّ للقلب الإلهي ذاكرين الحبّ الثالوثي لنا الذي لا ينضب ولا يتعب. وليكن هذا العيد تذكيرًا لنا، أنَّ قلوبنا، في ضعفها البشري، تحمل بذار الملكوت لأنّها قدس أقداس الله وهيكل عطيّة الآب،أي الروح القدس، لأجل سعادتنا وراحة نفوسنا.

لنقبل أيّها الأخوة عطية الآب لنا، بالمسيح يسوع ذو القلب الحقيقي. ولا نجعلنَّ من ضعفنا وخطيئتنا سجنًا يُطبِق علينا في ظلمة التقوقع والإنعزال. لا نخف! نعمته تكفينا. ولنشرّع قلوبنا الضعيفة لحضور الله، لأنّ في الضعف ستظهر مجانيّة القدّوس في عشقِهِ لنا، فهو مُتَعطِّش للقاءنا غير آبِهٍ بأخطاءنا لأنّه في الحقيقة يُحبُّنا حُبًّا صافيًا أزليًّا وأبديًّا. أخيرًا، فلنُعلن وبكلّ جرأة مع بولس الرسول:" [...] نَحْمِلُ هـذَا الكَنْزَ في آنِيَةٍ مِنْ خَزَف، لِيَظْهَرَ أَنَّ تِلْكَ القُدْرَةَ الفَائِقَةَ هِيَ مِنَ اللهِ لا مِنَّا" (2كو 4/7).
تحقيق JUN 24, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد