في هذه الذكرى، شهادة عائد من ظلام الجحيم، إلى نورالحريّة في لبنان، الأسير المحرر الرفيق ريمون سويدان.
ريمون سويدان مواليد 29 آذار 1970، إلتحقت بحزب القوات اللبنانية عام 1986 الرقم العسكري 1548668.

"بدأتُ مع المجموعات الخاصة في القوات، وشاركت مع الدكتور سمير جعجع في عمليات عسكرية عديدة عام 1986 ضد إيلي حبيقة، 27 أيلول، وأول معركة بين القوات والجنرال عون، حرب 1990 والجدير بالذكر أنني كنت في الوقت نفسه ملتحق بالجامعة اللبنانية – كلية الأعمال الإدارية – الفرع الثاني وكذلك في آخر دورة الضباط للقوات (دورة ضباط ال)12 التي لم تنتهي بسبب تسليم السلاح عام 1991.
بعد تسليم السلاح إلتحقت بالمدرسة الحربية لخوض مرحلة التغيير من الداخل، لأنه كما آمن الحكيم بمرحلة السلام وسلّم السلاح بكل جرأة كنا نؤمن بأهمية التواجد في داخل المؤسسة العسكرية لكي نبني هذه المؤسسة وذلك لصالح لبنان ولصالح المؤسسات العامة التي تحضن الشباب اللبناني وطموحاته.
في العام 1993 وبعد ثلاث سنوات في المدرسة الحربية تمّ اعتقالي على يدّ أحد الضباط اللبنانيين وكان السبب أولاً إنتمائي وميولي السياسي للقوات اللبنانية وثانياً عدم تقبّل الجيش السوري ووجوده داخل المدرسة الحربية واعطائه للضباط دروس في العقيدة الفكرية والتنشئة الوطنية. كانت مرحلة الإعتقال صعبة جداً لأنها إمتدت خمس سنوات وأيضاً تم اعتقال شقيقي في النهار نفسه من جماعة إيلي حبيقة في الأشرفية. اقتضت الى البوريفاج عند الساعة السابعة مساءً وتم التحقيق معي مباشرة من قبل رستم غزالي. التهمة الأولى التي ألحقت بي كانت التحريض ضد النظام الشقيق أي النظام السوري والثانيّة الإنقلاب على الدولة اللبنانية. بعد ثلاثة أيام نقلت الى عنجر حيث اختلفت التهمة هناك عن تهمة البوريفاج وكانت موجّهة هذه المرّة من قبل غازي كنعان وهي تتعلق بمشاركتي باجتياح اسرائيل للبنان عام 1982 رغم، كنت أبلغ من العمر إثني عشر سنة .

وبعد العزابات والضرب اكتفوا باتهامي بالإنتماء السياسي ضد النظام السوري والإنتماء الى القوات اللبنانية . و تم نقلي بعدها الى سوريا
إلى ما يعرف بفرع فلسطين حيث عانيت أيضاً العزابات والظلم والقهر من أساليب لا يمكن أن يتخيلها إنسان أو أن يتصور أنواعها ممكن أن تعانيها عند السوريين فهم أناس يتفننون في التعذيب ويتلذذون به. هم قوم ينام ويصّح على فكرة تعذيب اللبناني وهم يخشون هذااللبناني كثيراً، لأنه رجل فكر واسع ويملك إيديولوجية كبيرة لا يمكنهم الإيمان بها، فهم يؤمنون فقط بالإيديولوجيا البعثية والديكتاتورية ويؤمنون بالنظام الواحد الأوحد وبفكرة واحدة واجبة التطبيق وهي التسلّط على الناس وعدم الرضى بالديمقراطية والحرية وعدم المساواة بين طبقات الشعب الواحد بعد فرع فلسطين تحوّلت الى ما يعرف بالأمن العسكري حيث حصلت على ما يكفي من العذاب وكان من نصيبي وشقيقي أن نتحوّل الى المزّة .
مزّة قلعة كئيبة حزينة مبنيّة على تلة، فمن مجرد النظر نحوها يشعر الناظر بالهيبة والخوف فيشعر بالرعب الموجود ويشعر بأن شيء ما في انتظاره في الداخل وما يلفت في سجن المزّة أنه عندما تصل تدخل من باب قلعة كبير مكتوب فوقه " الداخل مفقود والخارج مولود " وبعد الدخول هناك مساحة خضراء على الجانبين يمكن أن ترى من خلالها السماء بوضوح تمتد ما بين من 50 و75 متر من بعدها تتجه نزولاً عبر 4 درجات بين نافذتين تغلقان على الداخل ويبدأ الظلام... فتصل الى مكان مسقوف يحجب عنك الرؤية. هناك جرّدونا من ملابسنا " كما خلقتني يا ربّ " وأجبرونا على الغطس في بركة مياه باردة وعندها بدأ الترحيب على الطريقة البعثية التي تكون بالكابلات، الضرب، الكهرباء وأساليب تعذيب عديدة الى حين أن يشعروا بأن الأسير قد أصبح منهوك القوى فيعطوه ثيابه وينقلوه الى الغرف، فسمعت أحدهم يقول : "الى الثالث علويّ" فتخيّل لي أنني ذاهب الى الطابق الثالث فوق الأرض ولكن هذا التعبير يعني تماماً العكس فتوجّهت الى الطابق الثالث تحت الأرض. مزة مكان مرعب و تجد فيها العديد من اللبنانيين من جميع فئات المجتمع اللبناني كما أنوفيها مجموعات متخصصة بالتعذيب والتنكيل باللبنانيين فهمّهم الوحيد إلحاق الأذى باللبناني خاصة أمام ذويه وتعذيبهم معه. يهوون إذلاله وإهانته والعمل على جعل الأسير يشعر أنه لا شيء، مجرّد نكرة، و أن السوري هو كل شيء وسبب الوجود.
وهناك شاهدة دائماً أذكرها عن مساعد علوي معروف أبو حسين في سجن المزّة دخل مرّة علينا وكان يرغب بالضرب ليتسلّى محاولاً إستفزازنا ويسأل " ليش بعدكن شايفين حالكن على شو ؟ " وروى لنا قصة في الستينيات كان بطلها، حين كان سائحاً في لبنان وإستقل سيارة أجرة في شارع الحمرا وكان يحاول أن يتعلم ما هي الحضارة؟! أراد أن يدفع الأجرة في العملة السورية فرفض السائق اللبناني العملة السورية وطلب منه أن يدفع إما بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي فزرعت هذه الحادثة الحقد في قلب أبو حسين وكان يتباها ويقول " دفعتلو بالدولار بس هلء دعسنا على عملتكن وعلى رقاب زعمائكم نحنا الحاكمينكن " هذه القصة أردّدها ليرى اللبنانيين هذا الحقد المتراكم الذي أراد المساعد أن يدفع الأسرى ثمنه.
هذه الخمس سنوات كانت تشبه الجحيم وربما أكثر، فمن أراد أن يأخذ فكرة عن الجحيم ونيرانه لكي يخبر البشرية عنها فليذهب الى سوريا ويعود ويخبر عما عاينه. لذلك أعتبر هذه القضية قضية إنسانية ورسالة وإن سيّدنا يسوع المسيح أحياني من الموت لكي أنطلق وأبشر وأخبر عن جهنم فيتجنب الناس الذهاب الى هناك، لهذا اعتبرتها قضية وأشكر الله على أن نواب القوات والدكتور سمير جعجع تبنوا هذه القضية لأن " من لا يقيد لا يعرف معنى الحرية"
والحكيم قد مرّ بتجارب عديدة من حياته، وهو من شجعنا على المضيّ والمثابرة بعد أي لحظة ضعف. حين فتح احد الجنود باب زنزانتي عام 1994 مساءً عند الساعة السابعة وقال : " وسع محل حدّك يا سويدان " فانا لم أعر الموضوع أي أهمية واعتقدت أن احد أفراد عائلتي قد يشاركني الزنزانة ولكن في الغد رمى لي منشات جريدة " إعتقال الدكتور سمير جعجع " وهنا كانت لحظة فقدان الأمل لمعظم شباب القوات الذين كانوا يتأملون بأن هناك من سيحمل قضيتهم ويعمل على إخراجهم من هذه السجون وينادي بصوته عالياً على المنابر من أجلهم فحين إعتقلوا الحكيم إعتبرنا أن النهاية باتت قريبة.
أما بالنسبة لي أنا شخصياً فقد فقدت كل شيء لأن أملي الوحيد كان عمل الحكيم للإفراج عنا.
ولكن قدرة الرب ساهمت في إخراجي من المعتقل بعد خمس سنوات وعند وصولي الى لبنان أوقفت في كفرشيما وكان التحقيق من جديد حوالي العشرة أيام وبعدها تحولت الى وزارة الدفاع وأعيد التحقيق من جديد وإعادة الإيفادة بالمعلومات وتحولت أخيراً الى المخابرات بيروت حيث أطلق سراحي وكان مشروط عليّ التوجه كل خميس من الأسبوع الى معلومات بيروت وتقديم بيان مفصل عن كل التحركات والنشاطات التي أقوم بها. وبدأ العمل ألقيت محاضرة في الجامعة اليسوعية بعد أسبوعين من خروجي، بعدها تعرضت للملاحقة والضرب وسجنت مجدداً وكان من المفترض أن تكون المدة لخمس سنوات خمس سنوات جديدة في لبنان ولكن والدي قد دبرا لي الواسطة وأفرج عني وسافرت الى خارج لبنان خمس سنوات حتى 2003.
وبعدها عدت إلى لبنان و باشرت العمل مع الرفاق في القوات اللبنانيّة، ومثل أيّ فرد مؤمن بالقوات ولبنان وقضيّتة، مؤمن أن الدكتور سمير جعجع ظّلم وإعتقل لأنه كان يشكل خوفاً للبعض وهم كانوا يعلمون حقاً أن بقاء الحكيم خارج السجن سيخلق معادلات جديدة لا تتماشة مع خطتهم، وإستمريت في النضال حتى ثورة الأرز، آذار 2005 فكنت مثل جميع الرفاق في الخيم والساحات أشاركهم همومهم ومخاوفهم والإعتقال والعذاب، وكان أملنا كبير كنشوة الروح حين يكون الإنسان غائب عن الدنيا وتعود إليه نفسه هذه الروح كنا نشعر بها لحين خروج الجيش السوري في 26 نيسان 2005 من لبنان. عندها كان شعور لا يقدر ولا أستطيع وصفه أو تحديده فعلاً عندها شعرت ببداية تحقيق إنجاز مهم جداً وهو إستعادة السيادة والحرية سيادة وحرية الأرض قبل إستعادة حريّة الشعب وحرية الكرامات وهي نقطة مهمة لأننا طالما بدأنا بتحرير الأرض يعني ذلك تحرير شيء ما من كرامة نفوس الأشخاص ونفسيتهم وعقولهم التي كانت تتحكم بها البعثية السورية. بعدها إنطقلنا لتحقيق حلم ثان، بخوض المعارك والعمل كقوات لبنانية في كل المراحل، واطلاق سراح الدكتور سمير جعجع كان لحظة مهمة في حياتي أنا شخصياً وعودة القوات اللبنانية للعمل السياسي.
أما اليوم فانا أملك أمل كبيراً بحزبي القوات اللبنانية وبالدكتور سمير جعجع وبالهيئة التنظيمية المرافقة، ولكن لا يزال شعور أن لبنان أسير يتملك في داخلي حتى الآن رغم خروج الجيوش السوريّة من لبنان، فهو أسير بعض العقول المرتهنة للسوري والإيراني، وبعض العقول التي لا تؤمن بالدولة ولا بالجيش الواحد القادر على فرض النظام والأمن، والعقول التي لا تؤمن بالدولة ومؤسساتها والقضاء العادل والكفاءة وعدم استيعاب أهمية وجود الكفاءات والإختصاص داخل الإدارات ....
ولكن كل هذه العقبات لن تؤثر علي كإبن القوات اللبنانية فضغط السوري الذي كان والإعتقال لن يغير أهدافنا ومبادئنا أو معتقداتنا ونضالنا فالإستمرار بالنضال واجب لحين تحقيق الدولة التي نحلم بها التي من أجلها سقط أكثر من خمسة عشر ألف شهيد، التي من أجلها قدمنا المعوقين، التي من أجلها قدمنا المعتقلين، هذه الدولة تتطلب الكثير من العمل والوقت ونضال مستمر. ولكن الحمد للله لأننا كقوات ثابتين في خطانا ولدينا قيادة واعية وحكيمة التي ستمكننا من الوصول رغم كل ما يحدث. ولكن بناء الدولة قد يأخذ وقتاً طويلاً بالنسبة لما وصلنا إليه رغم بعض الأخطاء التي صدرت لذلك نتمنى على السياسيين مراجعة أخطائهم لكي نتمكن من بناء دولة حديثة كالتي نحلم بها كما قال الدكتور سير جعجع منذ 1991 في ذكرى شهداء القوات:"أطلقوني، أطلقوا يديّ ولساني لأبني لكم لبنان، لبنان المستقبل، لبنان القوة، ليكون على مشارف القرون الآتية ليكون مفخرة لأبنائه وللعالم".
إذاً منذ ال 1991 كان الحكيم يحلم بهذا لبنان ولكنهم كانوا يحاولون منعه وخلق الصعوبات ومازالوا، ولكن طالما نحن مؤمنون بهذه القضية وطلما نحن متقاربين من شهدائنا ومعوقينا ومعتقلينا، فمن الأكيد أننا سنصل في النهاية لبناء الدولة حتى ولو كانت ستكلفنا حياتنا فنحن دائما مستعدين فكما دائما سنسير نحو الشهادة بابتسامة وشجاعة فلم نسر يوماً بخوفٍ أو تردد.

نعم، هناك لبنانيين في سوريا حتى اليوم، عددهم يقارب ال816 شخص على قيد الحياة وجمع عددهم من خلال إحصاء قام به الأسرى المحررين في جلسات يستذكرون بها من كان معهم في الزنزانة أو من تعرفوا اليه أثناء التحقيق وهناك بعض الأسرى كانوا يتلقون الزيارات في الفترة ولكنها توقفت بعد حادثة صيدنايا منذ سنتين وانقطعت أخبارهم وللأسف إن الدولة اللبنانية غافلة عن الموضوع والحكومة في رقادٍ عميق، والمعيب أن ميشال عون صاحب وبطل 13 تشرين بالهروب السريع الى فرنسا أن ينكر وجود معتقلين في السجون السورية وهو من زارها وقال أن الطريق بيننا وبين السوريين قريب ويجب أن نعتذر منهم ولذلك لا أملك غير الدعوة لالله لكي يمدنا بالقوة ونتمكن من إخراج الرفاق من أسرهم وإعادتهم الى الحرية والحياة.
ولشباب المستقبل، شباب اليوم أتوجه لهم وأقول: يتذكروا ثورة الأرز والإحدى عشر سنة اعتقال الدكتور سمير جعجع، الذي آمن بغرفة صغيرة في سجنه وفضلها عن الحرية التي ستأثر قناعاته. فالمستقبل لناظره قريب، وقريب جداً. ولكن هم بحاجة الى النفس لكي يتمكنوا من بناء دولة المؤسسات، ويؤمنوا بمؤسسة القوات اللبنانية وبالحكيم لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح...