الرقص فن موجود منذ القدم، وقد مارسته أقدم الحضارات، حتّى أصبح تراثًا يميّز شعبًا عن سواه. ومَن يمارس الرقص، لا يمكن ألّا يشعر بتأثيره الايجابي على جسده ونفسيته، إذ هو وسيلة للتعبير عن المشاعر بالجسد، ويولّد الشعور بالفرح والراحة والحرية. فالرقص يداوي الروح والجراح المعنوية بعدما كان تصنيف الأمراض يقتصر على تلك المتعلقة بالجسد، إلاَّ أنَّ مفهومه تبدل مع الطبيب النمسوي سيغموند فرويد واضع العلاج النفسي التحليلي في أواخر القرن التاسع عشر، مما ساهم في الالتفات إلى أهمية الرقص، وإدخاله في علاج الأمراض النفسية.
الرقص علاج النفس
بدأت غنوة صليبي الرقص في سنّ الثالثة، وبدّلت بين مختلف أنواعه. الرقص الكلاسيكي شكّل أساسًا متينًا لها، ومكّنها من ممارسة أنواع أخرى بسهولة، وذلك بسبب الليونة التي منحها لجسدها. وعلى الرغم من أنَّ الرقص اللاتيني هو ما احترفته، إلاَّ أنَّ الرقص بالنسبة لها عو أداة جريئة للتعبير عمّا نشعر به، تحفزنا على تقبّل ذواتنا وأجسادنا أكثر.
تخصصت صليبي بالعلاج النفسي وبدأت تمارس المهنة، إضافةً إلى الرقص الذي باتت تعلّمه، إلّا أنّ شعورها بازدواجية حبّها للعلاج النفسي وللرقص، جعلها تشعر بضرورة دمجهما، خصوصاً أنّ الرقص هو مصدر راحتها؛ فوجدت مع مرور الوقت أنَّ الرقص قد يفيد مرضاها تمامًا كما يفيدها، وقد يحرّرهم ويريحهم ويسعدهم كما هي الحال معها.
وفي حديثٍ معها، أشارت صيلبي إلى أنَّ العلاج بالرقص ليس بالأمر الجديد بل بحسب وصفها "معتمد في مختلف البلدان الغربية، وهو يساعد العلاج النفسي التحليلي". وقد ظهر في القرن التاسع عشر، وتطوّر كثيرًا في القرن العشرين حيث بدأ اعتماده في أميركا. فعلى سبيل المثال، تأسست جمعية العلاج بالرقص الأميركية عام 1966، وتم وضع معايير التدريب ومنح الشهادات. صليبي التي خضعت لتدريباتٍ عدّة حتى أصبحت جاهزة لممارسة هذه الطريقة في لبنان، وهب تقول أنّه "ليس من الضروري أن يتقن المريض الرقص كي يتمكن من اعتماد هذه الطريقة في العلاج، إذ يمكن لأي شخص أن يعبّر عن حالته من خلال الرقص، بغضّ النظر عما إذا كانت حركاته متقنة أو جميلة أو صحيحة".
لاحظت صليبي فاعلية الرقص في العلاج النفسي، وقدرته الإيجابية في التأثير على مسيرة العلاج، بالرغم من صعوبة تقبّله في البداية. "في بعض الأحيان، يصعب التعبير بالكلام، ويكون التعبير الجسدي هو الحلّ؛ خصوصاً وأنَّ الراحة التي يمنحها الرقص للمريض، بعدما يعبّر عما يخالجه من قلق ومخاوف، تجعله يعشق هذه الهواية، وأحيانًا يطلب تعلّمها لا لأغراض العلاج، بل للرغبة باحترافها. وقد انتقل أشخاصٌ عدّة من صفة مرضى لديّ إلى صفة تلاميذي في الرقص".
لماذا رفضت أنوثتها؟
نماذج عدَّة صادفت صليبي خلال تفاعلها مع المرضى، من بينها سيدة تبلغ خمسة وثلاثين عامًا، كانت تخجل إلى حدٍّ كبير، مسترجلة، تشعر بخوفٍ دائم. وتسرد: "بدأنا بالعلاج التحليلي، إلى جانب العلاج بالرقص، وفي إحدى الحركات التي طلبتُ منها تأديتها، كان عليها إظهار أنوثتها، واجهت صعوبة كبيرة وأجهشت بالبكاء. تحدثنا عن هذا الموضوع إلّا أنها لم تستطع تفسير رفضها لأنوثتها. أدّينا الكثير من التمارين التي تظهر الأنوثة في جسدها، وإذ بها تسترجع ذاكرتها وحادثة تعرضها للإغتصاب. لذا فقد كانت الخطوات الأولى لإعادة تقبّل الثقة بنفسها وتقبّل جسدها، بعدما رفضته بسبب ما جرى لها، من ثم عملنا على كيفية تشجيع ميزة الدفاع عن النفس بعدما كُسِرَت الحواجز لديها، ما توجب تعليمها متى تقول "لا". وهذا ما ساعدها في تقبّل جسدها وفكرة ممارسة العلاقة الحميمة لاحقاً. وأصبحت بعد العلاج قوية لدرجة العدائية، إلّا أنّ هذا طبيعي في مرحلة معيّنة من العلاج، حيث يذهب المريض إلى أقصى الحدود قبل إعادة التوازن إلى نفسه".
العلاج ضمن فرق
إضافةً إلى العلاج المنفرد، تعتمد صليبي العلاج ضمن فرق، أو العلاج الجماعي. يتشكل الفريق من مجموعة أشخاص أرادوا مشاطرة تجاربهم مع الآخرين. وتقول أن "الصعوبة في هذه الطريقة تكمن بعدم تجرّؤ الأشخاص على الكلام والشعور بالخجل في البداية. هنا يأتي دوري كمعالجة نفسية لكسر الحواجز وبناء الثقة بينهم، فيصبح الفريق مصدر قوّة للفرد ومحفّزاً ليشعر بالراحة والثقة بالنفس، وهذا ما يخلق علاقة بين أفراد المجموعة، وتعاطفًا مميزًا. والعلاج ضمن الفرق لا يعتمد على الكلام فقط، بل يتخلله الرقص وغيره من الفنون، كالرسم والموسيقى. هذه الطرق تسرّع العلاج وتفيد المريض، كما تحسن ثقته بنفسه وتقبّل ذاته على الصعيدين النفسي والجسدي".
وتضيف صليبي: "هذا العلاج ليس موجّهاً إلى فئةٍ دون سواها، إذ لا يميّز بين ذكر وأنثى، أو بين صغير وكبير، أو بين نحيف وممتلئ... بل الأهمّ هو تقبّل الذات كما هي! أنا فرحة ومتفائلة بالنتائج التي نتوصل إليها، كما أنني أكثر سعادة لأنّ المجتمع أصبح يتقبّل الرقص، والعلاج النفسي بالرقص أكثر من السابق. وأتمنى ألّا يخجل أحد من حالته، بل يعترف بها وبعلاجها!".
للعلاج بالرقص فوائد صحية
إلى جانب دوره في تحسين صورة الجسم وتقدير الذات، يعزز العلاج بالرقص القدرة على التواصل. وأظهرت دراسة أجرتها مجلة " The Arts in Psychotherapy" عام 2007 الأثر الايجابي للرقص على المصابين بالاكتئاب، وأخرى قامت بها المجلة الأميركية للعلاج بالرقص عام 2004، حيث أظهرت أن الرقص يخفف العنف في المجتمع. ومن أبرز فوائد العلاج بالرقص:
-على الصعيد الجسدي: يساهم الرقص بعلاج الآلام المزمنة، البدانة عند الأطفال، السرطان، التهاب المفاصل، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية.
-على صعيد الأمراض العقلية: يساهم في علاج القلق، الكآبة، الاضطراب في تناول الطعام، ضعف الثقة بالنفس، والاضطرابات الناتجة من التعرض لصدمة.
-على صعيد المعرفة: يساعد الرقص على التحكم بأعراض الجنون، إضافةً إلى تقوية مهارات التواصل.
-على صعيد القضايا الاجتماعية: يمكن استخدام الرقص كعلاج لمرض التوحد، العنف، وصدمة العنف المنزلي، والتفاعل الاجتماعي، والنزاعات العائلية.
http://www.goodtherapy.org/learn-about-therapy/types/dance-movement-therap