بعد طول انتظار صعد الدخان الابيض من مدخنة التأليف بعد ان كان الشعب اللبناني قد احترق من طول الانتظار والعرقلة الذي رافقهما انكشاف امني خطير. ابصرت الحكومة النور بعد ١١ شهراً من التكليف ليكتشف اللبنانيون بأن الذهنية التي يقارب بها بعض الاطراف الامور انما هي فردية تخفي بباطنها اجندات مختلفة. من هنا لا بد لنا القيام بعملية تشريح لبعض الاحداث التي رافقت هذه المرحلة.
بعد فترة طويلة من الاستكبار والتعنت الذين مارسهما "حزب الله" لجهة رفضه القاطع للمشاركة في اي حكومة لا تضمن حصوله على الثلث المعطل ( اي من خلال صيغة ٩-٩-٦)، تنازل بسحر ساحر عن هذا المطلب مما يضعنا امام فرضيتين:
الاولى ترتكز على وصول "حزب الله" لقناعة بان ١٤ آذار لن تمنحه تفويضاً في التحكم بالحكومة عبر منحه امكانية التعطيل ما دفعه الى التنازل عن مطلبه نتيجة انغماسه في الحرب السورية و حاجته الملحة الى الحصول على الشرعية من خلال "الصورة التذكارية" لحكومة جامعة يضعها على مكاتب المجتمع الدولي يسند من خلالها موقعه.
اما الفرضية الثانية تحوم حول تسوية اقليمية شاملة اسفرت الى جمع الاضداد تحت عباءتها.
هذه الفرضية لا يمكن جزمها الا من خلال مراقبة خلاصة البيان الوزاري والابقاء على معادلة "جيش، شعب ومقاومة" من عدمه، بالاضافة الى ادراج او التخلي عن "إعلان بعبدا".
من منحى آخر اظهر منطق "الفيتو" الذي وضعه حزب الله على تسلم اللواء أشرف ريفي حقيبة الداخلية، ان هناك فئة في لبنان ترفض المشاركة الفعلية من خلال اعتمادهم معادلة "ما لنا هو لنا وما لكم هو لنا ولكم". ان هذه المعادلة المرفوضة بنيوياً وشكلياً تعبر عن الطريقة الاستئثارية التي يتعاطى بها "حزب الله" مع خصومه السياسيين، مما يظهر بأنه قد بدأ يرى نفسه اكبر من الجميع في هذا البلد.
من هنا، الأجدر بهذا الفريق البوح علناً عن نيته بتغيير هوية لبنان ونظامه السياسي عبر اخضاعه الجميع، ان من خلال طرحه للمثالثة او حتى رغبته تحقيق مشروع ولاية الفقيه. ان التلطي خلف الاصابع لا يجوز ان يستمر.
من ناحية آخرى، طريقة تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب اظهرت بأن الحقائب الحكومية والمصلحة الوطنية قد وضعوا في تصرف الطوائف بدل ان تكون الطوائف في تصرف المصلحة الوطنية. ان كان الهدف التخلي عن شكل لبنان الحالي من خلال تغليب الطوائف فالاجدر بالجميع طرح "الفيديرالية" صراحة عوضاً من الابقاء على الشرذمة الحالية للوضع السياسي اللبناني عبر ضرب نتائج الانتخابات من اجل "ضرورة" اشراك من يدعي "وحده" تمثيل طائفة كريمة بأكملها.
ان عمليات التذاكي على الشعب اللبناني لا بد ان تزول عبر الالتزام باصول الادبيات السياسية بالاضافة الى حسم نهائية الكيان اللبناني. هذا الحسم لا يتجذر الا من خلال الالتزام "باعلان بعبدا" اولاً دون اللجوء الى التعابير الغامضة التي توفرها اللغة العربية الفضفاضة. من هنا نأمل بان تتمكن هذه الحكومة من ان تحكم عسى الا تكون... محكومة...