" كيف!!! ... بتحب القوات والحكيم!!!... عيب يا عمّو إنت بيّك بالجيش، ما لازم تكون ضدّ الجيش مع القوات"
كان وقع تلك الكلمات كبيراً علي كطفل بدأ يدخل سن البلوغ في ذلك الحين، فقد إعتذرت بصوت خافت عن الخطأ الذي ارتكبته من دون علمي وخرجت من منزلي رفيقي أجهش بالبكاء، كيف لي أن أخون الوطن وأكون ضدّ الجيش الذي قدم له أبي 36 سنة من عمره قضاها في مراكزه وثكناته، أنا أعتاش وأتعلم من الراتب الذي يتقاضاه والدي من المؤسسة...
وصلت المنزل وأنا ابكي، ولحسن حظي كان والدي قد عاد لتوه من الخدمة، أخذني الى حضنه مستفسراً عن سبب بكائي... بداية الأمر خجلت من إخباره بأنني بحسب والد رفيقي قد خنت الوطن والجيش وأحببت الزعران، ولكن قوّة غربية إنتابتني وأخبرته بما جرى معي، كما أخبرته بأنني إحببت القوات بعد أن وقعت يدي على كتاب "هذه شهادتي" للكاتب بول عنداري، في مكتبة المنزل... إبتسم والدي وضمني بقوة. كانت تلك الحركة بالنسبة لي كافية لأتأكد بأنني كنت على صواب، وبعدها قال لي: " عندما تمر بحاجزٍ للجيش كيف تبادر بالسلام عليه؟" جوابي كان سريعاً ودون إلتباس : "يعطيك العافية يا وطن" فإبتسم والدي وقال لي: "بابا، الجيش ... لكل الوطن" لكن حشريتي دفعتني الى سؤال آخر: "بابا؟ بس الجيش مع مين؟" فهم الوالد حيرتي وكان لي درسٌ من دروس التاريخ التي أفتخر بها، أستاذها كان والدي الذي أمضى 36 سنة في خدمة المؤسسة العسكرية، وكان الدرس التالي:
- الجيش اللبناني... شعاره "شرف تضحية وفاء"
- الجيش اللبناني... شرفه بأنه عابر للطوائف والأديان
- الجيش اللبناني... تضحيته بأنه يزود بنفسه من أجل الوطن والشعب من دون أي تردد أو تخاذل.
- الجيش اللبناني... وفاؤه للوطن.
- الجيش اللبناني... ليس لهذا الفريق أو ذاك، هو لكل لبنان ويدافع عن كل لبنان، لا منة لحزب أو طائفة أو تيار عليه، وهو ليس بحاجة لمن يدافع عنه فهو خطّ الدفاع الأول والأخير عن الوطن، وهو حصنه المنيع إن سقط، سقط الوطن...
وإنتهى الدرس على الخلاصة التالية: "في العام 1975 يوم سقط الجيش فريسة الإنقسامات والنزاعات الداخلية سقط الوطن واندلعت الحرب... واليوم عاد بعض الوطن الى الوطن فتوحد الجيش من جديد وها هو الوطن يعود ليصحو من كبوته ويتعاف بالرغم من الظلم اللاحق ببعض أبنائه ولكن يا ولدي ما من عتمة إلا وبعدها نور... فكن على ثقة بأن الوطن سيعود إلى سابق عهده طاما هذا الجيش هو لكل الوطن.
كان هذا الدرس كافيّاً لي، واليوم وبعد مضي سنين على هذا الدرس ولمناسبة عيد الجيش اتوجه بهذه الكلمات الى كلّ لبناني أصيل مؤمن بالدولة ومؤسساتها، الى كل لبناني سيدٍ حرٍّ مستقلٍ:
- الجيش اللبناني... فوق كل أعتبار، فوق كل طائفة ومذهب، فوق كل الأحزاب والجمعيات والتيارات
- الجيش اللبناني... هو الدرع الحامي، والسترة الواقية لكل الوطن، فلا هو مع هذا الفريق ولا ضد ذاك الفريق...
- الجيش اللبناني... لا منّة لأي أحد عليه، ولا يطلب الحماية من أحد
- الجيش اللبناني... بعيدٌ عن إستغلالكم الرخيص التافه من أجل أهدافكم السياسية الوسخة للحفاظ على مقعد نيابيٍ هنا والفوز بآخر هناك
- الجيش اللبناني... بعيدٌ عن إفلاسكم السياسي وتعتيركم الاخلاقي ولم ولن يكون وقوداً لأتونكم الجهنمي
- الجيش اللبناني... لا أهل له، ولا أقارب ولا أنصار ولا أصدقاء... هو اهلنا وقريبا ونصيرنا جميعا
- الجيش اللبناني... جيش كل الوطن... جيشنا، لكل الوطن.