اسم يتكرَّر منذ سنين في السِّياسة الفرنسيَّة والاوروبيَّة، كيف لا وقد لُقِّب بأحد الألقاب الأكثر إثارة للتساؤلات، ألا وهو "شيطان فرنسا"؟ إنَّه جان ماري لوبان! ولد جان ماري لوبان في 20 حزيران 1928 في لا ترينيتا سور مار في فرنسا، وهو ابن صيَّاد سمك وعامل يدويّ. ترعرع لوبان في إحدى المدارس الكاثوليكيَّة اليسوعيَّة في وسط أسرة محافظة. وبدأت شقاوته عام 1944 حين حاول دخول معهد القوَّات الفرنسيَّة الدَّاخليَّة(FFI) ، وكان يبلغ حينها 16 عامًا فقط ما تسبَّب برفضه نظرا لصغر سنِّه. أمَّا بعد تخرُّجه من المدرسة، فدخل كليَّة الحقوق في باريس حيث بدأ نشاطه السِّياسيّ على المستوى الطلَّابيّ، فترأس جمعيَّة مناهضة للشيوعيين في تولوز، ما أدَّى إلى أعمال شغب وتضارب بين جمعيَّته وجمعيَّة "الشَّباب الشُّيوعيّ" فتمَّ طرده من الجمعيَّة عام 1951.
من ناحية أخرى، يمتلك لوبان سجلًّا عسكريًّا، إذ تطوَّع في الجيش الفرنسيّ عام 1954 وشارك في حروب عدَّة حتَّى العام 1957 في الجزائر والهند الصينيَّة وشمال أفريقيا، حائزًا على ستَّة أوسمة من الجيش الفرنسيّ لتقدير بسالته. ثمَّ، عاد لوبين لممارسة العمل السِّياسيّ عام 1956 فانخرط في الأحزاب اليمينيَّة، وانتُخب نائبًا على لائحة بيار بوجاد في العام عينه حين كان يبلغ 28 عامًا، ليكون آنذاك أصغر النوَّاب في البرلمان. وفي حين كان لا يزال نائبًا، تطوَّع مجددًّا في الجيش الفرنسيّ وأُرسِل إلى الجزائر بصفته "ضابط خبير"، كما اتُّهِم بارتكاب جرائم وعمليَّات تعذيب في الجزائر، الأمر الذِّي أنكره.

عام 1972، أسَّس لوبان حزب "الجبهة الوطنيَّة الفرنسيَّة" المعروف بسياسته اليمينيَّة المتطرِّفة. فمنذ البداية، ناهض لوبين الهجرة الأفريقيَّة والعربيَّة إلى فرنسا ووصف المهاجرين بالمحتلِّين والأعداء، ليكون هو صاحب المقولة الشَّهيرة التَّالية: "فرنسا للفرنسيين فقط". كذلك، يتميَّز لوبان بأفكار أكثر غرابة كمطالبته بتعزيز عقوبة الإعدام، ومعارضته الشَّديدة للدِّين الإسلاميّ، ومطالبته بخروج فرنسا من الاتِّحاد الأوروبيّ الذِّي "يحدُّ من سيادتها"، ناهيك عن مطالبته بتحسين أوضاع المزارعين والصِّناعيين اليدويِّين.
عام 1981، ترشَّح لوبين إلى الانتخابات الرِّئاسيَّة ونال العدد الأقلّ من الأصوات. لكنَّ حزبه بدأ يقوى شيئا فشيئا بعد ازدياد نسبة الهجرة إلى فرنسا واجتذابه العقول الفرنسيَّة، فحاز على 10 بالمئة من الأصوات في الانتخابات الأوروبيَّة عام 1984، ودخل عام 1986 34 نائبًا من حزبه إلى البرلمان الفرنسيّ. لا تزال شعبيَّته تزداد اليوم، بخاصَّة بعد حادثة "شارلي ايبدو" الشَّهيرة، حيث بلغت، في بعض المناطق، نسبة منتخبي حزبه في الانتخابات المحافظتيَّة ال35 بالمئة. وبعد تسلُّم ابنته "مارين لوبين" رئاسة الحزب عام 2011، حصلت خلافات بينهما عام 2015 ما أدَّى إلى تأسيسه حزبًا جديدًا، يحمل اسم "أحمر أزرق أبيض" ويتَّبع سياسة يمينيَّة.
وسيظلُّ لوبان دائمًا "شيطان فرنسا"!