سلَّمت القوَّات اللبنانيَّة، درع المقاومة اللبنانيَّة الَّتي وقفت في وجه التمدُّد السُّوري وأسقطته في زحلة والأشرفيَّة وقنات وغيرها من المناطق، سلاحها بعد اتِّفاق الطَّائف لتنتقل إلى العمل السِّياسيّ.
في السِّلم كما في الحرب، لم يستطع النِّظام السُّوري وعملاؤه في لبنان تحمُّل وجود حزبٍ مسيحيٍّ ضخم على مساحة الوطن، فحاولوا جاهدين محاربته وإقصاءه عن المعادلة الُّلبنانيَّة من خلال اتِّهامه واتِّهام قائده ظلمًا ببعض الجرائم، بعدما فشلوا في جعله واحدًا من أزلامه مع جميع المغريات الَّتي كانت مقدَّمة له آنذاك.
لم يبقَ لهؤلاء إلَّا التمدُّد داخل الدَّولة والقضاء عليها من خلال اتِّهام الحزب المسيحيّ، الَّذي قدَّم آلاف الشُّهداء على مذبح الوطن دفاعًا عن المناطق اللبنانيَّة والمسيحيَّة بشكلٍ خاصّ، بالوقوف وراء تفجير كنيسة سيِّدة النَّجاة.
٢٧شباط ١٩٩٤... تاريخ لا يزال محفورًا في ذاكرة الُّلبنانيين. ففي هذا النَّهار، نجح النِّظام السُّوري بتفجير كنيسة سيِّدة النَّجاة، تاركًا وراءه أحد عشر شهيدًا وعددًا كبيرًا من الجرحى. لم يكن هذا التَّفجير، التَّفجير الأوَّل وحتمًا لم ولن يكون الأخير. إذ شهد لبنان مسلسلًا من التَّفجيرات في جميع المناطق الُّلبنانيَّة، وأُحبِطت مؤخَّرًا مؤامرة المجرم ميشال سماحة الهادفة إلى تهديد السِّلم الأهلي، باستهداف لبنان بالمتفجِّرات، وذلك بطلب مباشر من النِّظام السُّوري بغية إحداث فتنة وحرب أهليَّة.
فشل المخطَّط حتَّى الآن. ولكنَّهم لا يزالون يعملون عليه. وبجهدٍ أكبر، لتفجير الوضع الُّلبناني! فنجحوا بترهيب قضاة المحكمة العسكريَّة للإفراج عن عميلهم سماحة، لتصفيته طبعًا في وقت لاحق، كي لا يبوح بكامل المعلومات الَّتي بحوزته.
منذ العام 75، تسعى بعض الأنظمة المجاورة إلى السَّيطرة على القرار الُّلبناني، وعلى رأسها النِّظام السُّوري، معتبرةً أنَّ لبنان جزءً لا يتجزَّأ من الاراضي السوريَّة. ولكنَّ النِّظام السُّوري فشل في تحقيق أهدافه بفضل مقاومين أبطال تصدُّوا، وما زالون يتصدُّون، لجميع محاولاته وبطرق مختلفة.
فكما لم ينجح هذا النِّظام المجرم بتلبيس القوَّات الُّلبنانيَّة قضيَّة تفجير الكنيسة، حتَّى وإن استطاع سجن قائدها ورفاقه وتعذيبهم. إلَّا أنَّه لن يستطيع حتمًا أن يسيطر على القرار اللبنانيّ ولا حتَّى أن يفتعل فتنة بين الُّلبنانيين. وكما تصدَّى المقاومون في الحرب، ها هو لبنان اليوم يحظى بمقاومين أشرس ممَّن سبقوهم؛ مقاومون متمسِّكون بسيادة لبنان وحريَّته واستقلاله أكثر من أيِّ وقتٍ مضى...