من الأقوال الحكميّة المأثورة التي تجسّد واقعنا اللبناني: "إحتكم لماضيك، كي يتّضح حاضرك... فتفتح أمامك آفاق المستقبل!" وبالفعل فإنّنا إذا عدنا إلى حقبةٍ تاريخية ليست بالبعيدة، نستنتج أنّ أموراً كثيرة قد تغيّرت وتبدّلت، وكأنّ حقبةً جديدة حلّت بلبنان أرضاً ومؤسّسات.
في فترة ما بعد الطائف، تحديداً بين عامي 1993 و1994، نستذكر أحداثاً أليمة وأيّاماً سوداء... تمّ خلالها التضييق على القوات اللبنانية التي سلّمت سلاحها بنفسها واحتكمت للدولة، فكانت المكافأة بعبوة ملآنة بالغضب والكراهيّة، داخل علبةٍ مخمليةٍ مزينةٍ بأعمالٍ رديئةٍ ودنية، مزروعة تحت إحدى مقاعد كنيسة "سيدة النجاة". فانفجرت العبوة الناسفة في موعدها، و ُلبست التّهمة بـ"سمير جعجع" حينها، كقائدٍ للقوات اللبنانية، فحوكِم، وسُجن دون دلائل واقعية واضحة، وحُلّ حزب القوات اللبنانية كعقاب على تلك الجريمة التي لم يخطر ببالنا يوماً أن نفكّر في مثلها.
أمّا اليوم، وبعد أن انطوت صفحة النظام السوري عن لبنان، أقلّه "عسكريّاً"، وبعد أن عادت هيبة الدولة وسيادتها إليها "مبدئيّاً"، عادت القوات اللبنانية حزباً ديمقراطياً بارزاً كما عادته، عاد الحكيم إلى القيادة، ومن فرح في يومٍ أسودٍ بتلاوة حل القوات، ها هو خلف قضبان العدالة حيث يليق به المكوث. إنّما الجرائم والعبوات لم تنته، وكان آخرها تفجيري طرابلس، حيث تم التأكد من ضلوع "رفعت علي ديب" وأزلامه بهذه الحادثة النكراء، وهو أحد أذناب النظام البعثي في لبنان وقد تشرب روح الإجرام والقتل منهم، وقاحةٍ يتحدّى فرع المعلومات ويحلّل دمها على مرأى ومسمع من الجميع. فهل ستثبت الدولة فعلاً أنّها أصبحت سيّدة وقويّة، فتقبض على هذا المجرم لينال عقابه، إضافةً إلى حل "الحزب العربي الديمقراطي" الذي تبيّن أّه يأوي إرهابيّين ومجرمين؟ أم أنّ الدولة ستتلكّأ كما أيّام الإحتلال السوري، فيبقى المجرم طليقاً، والأحرار يُقتلون ويُرمون في السّجون؟
كلّنا ثقة بمدى جدارة الدولة وهيبتها، وتحيّة إلى المؤسّسة العسكريّة وقوى الأمن، وفرع المعلومات خصوصاً، ولتبرهن الدولة اللبنانية أنّ لا أحد يعلو فوق مصلحة لبنان، ليبقى لبنان كما دائماً حيث لا يجؤ الآخرون!