بيروت العاصمة الخضراء تحولت على مرّ الزمن إلى مدينة من الباطون المسلّح حيث لم تعد تشكل المساحة الخضراء فيها سوى 3% من مجمل مساحتها في ظل هجوم عمراني ومعدّلات تلوث عالية ومشكلة ازدحام مزمنة، وتجاهل حكومي كبير.
طُرح مشروع بيئي جديد يحمل اسم أسطح بيروت خضراء أو "Beirut Wonder Forest"، حيث يمكنه أن يعوّض جزءا من مساحات العاصمة الخضراء التي أصبحت شبه مفقودة. وجاء المشروع، الذي أطلق كمبادرة فردية من المهندس المعماري وسيم ملكي والمصممة الإعلانية رنا رميلي، فرصة لزراعة أسطح بيروت وخلق مساحة تفاعل إجتماعي بين سكان المبنى الواحد، ويقسم المشروع إلى قسمين: القسم النظريّ والقسم العمليّ، ويهدف أوّلاً وأخيراً إلى الحفاظ على البيئة والحدّ من التلوّث.

من الناحيّة النظريّة بحسب المهندس ملكي في حديث له للشرق الأوسط في 27 نيسان 2012، يقدّر عدد المباني في العاصمة بنحو 18 ألفاً، 80 في المئة من أسطحها غير مستخدمة، ولكن 25 في المئة منها تبقى خارج المشروع لأنها غير صالحة لذلك كالمنازل القرميدية القديمة والمباني ذات الأحجار الرملية، فضلا عن وجود مبان قد يعارض أصحابها هذه الفكرة. لذلك لا يبقى لدينا سوى ما يقارب ال 14 ألف مبنى.
وهذا المشروع تنفّذه جمعية"React" وسيشمل مناطق بيروت الإدارية، على أن يتوسع لاحقًا إلى بيروت الكبرى ومن ثم إلى ضواحيها.
ويهدف إلى زراعة من60 ألف إلى 100 ألف شجرة في غضون ثلاث سنوات، سعياً إلى تخفيض مستوى التلوث بنحو 15%. وسيتم زرع بين ثلاث إلى خمس أشجار على سطح كل مبنى، تتنوع بين الغار، الحنّة، الزيتون، الليمون الصغير، أنواع الحمضيات كلها ونوع من الرمان التي تعتبر تاريخيًا من زراعات بيروت، وهي أشجار تتأقلم مع الظروف المناخية للسطح، حيث الهواء والشمس القوية، وكذلك نوعية التربة، والأهم القدرة على التحكم بامتداد جذورها وإمكانية عيشها ضمن الحاويات.

وستتم دراسة أنواع الأشجار التي تتناسب مع خصوصيّة كل منطقة من بيروت، فالخط البحري مثلا على الرملة البيضاء يحتاج إلى نوع يتحمّل الهواء القوي والملوحة من جهة، ومن جهةٍ أخرى سيتم الكشف على كل المباني المدرجة ضمن المشروع من قبل مهندس يحدد إمكانية زرع الأشجار والجدير بالذكر أن غالبية مباني العاصمة تتحمل تلك الأشجار الخمس التي يقدّر وزنها مع المياه والتراب بحجم خزان مياه سعة ألفي لتر، والحد الأقصى المعتمد في المشروع لارتفاع الأشجار يصل إلى 5 أمتار، ولامتداد الجذور مترين وعمق 80 سنتيمترًا.
وفي حال تبيّن وجود أبنية لا تتحمل هذا الوزن فهي ستعتبر أبنية متضررة وإخلاؤها ضروري.
والأشجار المزمع زراعتها لا تزال قيد الدرس، وهي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، هي أشجار مثمرة توفّر لقاطني كل مبنى إنتاجًا متواضعًا. ويحرص القيمين على المشروع أن تكون أوراقها كبيرة، ما يساهم في توفير الأوكسيجين وتخفيف ثاني أوكسيد الكربون، فستساهم في إمتصاص جزء من مياه الأمطار والحد من هدرها. وسيتضمن المشروع تركيب نظام بسيط لتجميع مياه الأمطار واستعمالها في الري صيفًا، بمعدل ما بين متر مكعب إلى متر ونصف المتر المكعب من المياه.

وستساهم هذه الأشجار في تقليص الإحتباس الحراري الناتج عن الزفت والأرصفة والأسطح وكذلك في تبريد الأبنية صيفاً، ما يعني تخفيف الاعتماد على المكيفات وتقليص الأضرار اللاحقة بالبيئة. كما يتم درس امكانية أن تكون الحاويات من البلاستيك المعاد تصنيعه وأن تكون التربة المستخدمة مأخوذة من مشاريع بناء وممزوجة بسماد مصنوع من النفايات العضوية، فيوضع بذلك حد لجزء من النفايات.
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع ليس حلا لمشكلات بيروت البيئية كلها، إنما هو مساهمة يجب أن تترافق مع سلسلة جهود، إما عبر استخدام الطاقة الشمسية ومختلف أنواع الطاقة المتجددة، أو تخفيف استخدام السيارات وتفعيل النقل العام.

وأكد المهندس ملكي أن الجمعية ستقدم الأشجار ولا يقع على عاتق المواطنين سوى الاهتمام بها من ناحية الري مرتين أو ثلاث مرات في الصيف، وهكذا يتقرّب الناس من الطبيعة ويتعزّز اهتمامهم بالبيئة، فيجتمع اللبنانيون تحت سقف الشجرة، بعيدًا عن السياسة وتخلق مساحة تفاعل إجتماعي بين السكان أنفسهم.
لاقى هذا المشروع الإهتمام الرسمي ويسعى القيمين عليه إلى دعمه بالتمويل اللازم عبر عدد من المصارف والمؤسسات والشركات. مما دفع المهندس ملكي إلى تأسيس جمعية خاصة به تضم 6 أشخاص من مختلف الاختصاصات، مهندسة زراعية، وخبيرة في البيئة، وخبيرة في الإعلام، ومحامية ومستشارة في التسويق. وقد اجتمعوا ببعض المسؤولين في الحكومة ويعملون حالياً على إطلاق المشروع بدعم من وزارة البيئة ورئاسة الحكومة.
لذلك يتمّ دراسة جدوى إستراتيجية لتطبيق المشروع والعمل على حملة توعية حول كيفية الاهتمام بالشجر وفوائده، كي لا يصبح المشروع حجة لإزالة المساحات الخضراء والمضي بالعمران العشوائي وقطع الأشجار ومن ثم زراعتها على الأسطح، بخاصة أن كل شجرة على الأرض عمرها مائة عام وهي أهم من 20 شجرة على السطح.
أما من الناحيّة العمليّة، بدأ العمل على المشروع في أيلول الماضي، وعرض على الموقع الإلكتروني
www.archileb.com الذي يهتم بمشاريع لها علاقة بالهندسة، ولاقى انتشارا واسعاً مع ذلك لا يزال المشروع بحاجة إلى عمل أكبر وبحث أكثر وتغطية ومساعدة، إذ لا يمكن إنجازه بشكلٍ منفرد، لذلك يتطلع القيمين عليه إلى الدعم من بلدية بيروت ووزارة البيئة، فالدعم المعنويّ من الدولة مهم جداً، والدعم المادي سيكون من الجمعيات والمجتمع المدني والجهات المانحة والمنظمات الدولية.
ومن المهم ألا يتحول المشروع تجارة، فهو لا يبتغي الربح أبداً، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم وبعض أسطح بيروت مزروعة بالشجر، ومشروع "بيروت الخضراء" يوجد مثله في ألمانيا واليابان وفي مدينة بوسطن الأميركية، ولكنه غير منفذ على نطاق واسع على النحو الذي سينفذ في لبنان. ففي الخارج يكتفون بنصب الأشجار على عدد محدود من المباني وليس على كامل المدينة كما نهدف هنا، وهذا يعني أن مشروع بيروت سوف يكون الأول من نوعه، وهو يحتاج إلى 3 سنوات لكي ينجز كاملا.
لذلك سيتم العمل على إطلاقة المشروع الرسميّة قريباً لكي يبدأ التنفيذ في فصل الخريف الأكثر ملائمةً لنقل الأشجار.
حلم "بيروت الخضراء" ضرورة ملحة لإنقاذ العاصمة ولبنان فبلد الخضار الذي تغنى فيه الشعراء وغناه العمالقة سيصبح قريباً شبيه بمكعبات من مادة البطون. فجاء هذا المشروع بمثابة زورق النجاة فمتى يتحول الحلم إلى حقيقة؟؟!!