بنات الهوى: بين المهنة والحاجة
تحقيق FEB 25, 2014
يقفن على أرصفة الطرقات وعلى جانبها، يستوقفن السيارات العابرة. كما سميّن "بائعات الهوى" وإذا صحت التسمية فهن بنات الهوى. الهوى الذي أصبح لهن تجارة هي ليست مربحة في الكثير من الحالات، انما عمل يقمن به ليكسبن قوت يومهن وفي بعض الأحيان لإعالة العائلة.
 
عبير تبلغ من العمر ثمانية عشرة ربيعاً هي مثال للبنات اللواتي اجبرتهن الظروف على التحول إلى هذه التجارة وأن يطلق عليها إسم بائعة هوى. الفقر، الحاجة، والجوع... هي المسببات الأساسية التي أجبرت ودفعت عبير إلى احتراف هذه المهنة فهي وكما تقول بأنها تحصل على مردود مادي تستطيع به أن تؤمن لقمة عيشها. عبير تعتبر حالة فردية فهي تعمل لحسابها الخاص انما الظاهرة الأخطر تكمن في وجود شبكات تدير عدد من الفتيات على مستوى كبير وهي متعددة ومنتشرة في كافة الأراضي اللبنانية تعمل بغياب تام لمؤسسات الدولة التي من مسؤليتها مكافحة هذه الشبكات.
 
ففي إحدى الحدائق العامة في لبنان، وحيث يمكن أن يحمل الليل خفايا من قصص غريبة وعجيبة، روى لنا أحد المواطنين أن هذه الحديقة تشهد كل فترة، ولاسيما في الربع الأخير من الليل، وقبل بزوغ الفجر قدوم مومسات (بعضهن صغيرات في السن) لتقول الواحدة منهن لأي شخص تجده: "هل تحب أن تتسلى؟". والمقصد من وراء هذه "التسلية" واضح، حيث انخفضت أسعارها هذه الأيام وكثر عدد العاملين بها، وأصبحت لها "أماكن حرة" خاصة بها.

 
 
وتقول إحداهن إنها تعرض نفسها مقابل خمسة الاف ليرة وقد ترتفع الى عشرين الف إذا "تنوّعت التسلية، وزادت مطالب الزبون".
 
ولكن خلف هذه "التسلية"  قصص مؤلمة لنساء وفتيات أجبرتهن ظروفهن الصعبة على سلك ذلك الدرب، ووقوعهن فريسة بيد "تجار تلك التسلية"، الذين استحلوا هذا العمل واقتسموا غنائمه.
 
غير أن أحد الساكنين بالقرب من الحديقة أكد أن معظم الناس يتأففون من هذا الشئ، رغم أن بعض الشباب يضعف أمام تلك الإغراءات ذات الثمن الزهيد، ويفسّر ذلك بقوله إن هنالك "من يخاف ربه" والناس أصبحت على وعي وتقرأ وتسمع كل يوم عن الإيدز.
 
 
ويوجد هيمنة قوية لثقافة القوادة في صناعة الجنس، حيث يأخذ غالبيتهم مائة في المائة من الأموال التي تجنيها العاملات في مجال الجنس. وبالنسبة إليهم، يوجد هناك حافز مالي قوي لمواصلة العمل كالمعتاد. فهل يغير التشريع من هذه الحقيقة أو يساعد بالقضاء على القوادين؟
وتواجه العاملات في مجال الجنس التجاري العنف، سواء في بيوت الدعارة أو في "المنزل" من قبل القوادين. ووفقا لإحدى الدراسات، فإن العمل في البغاء هو أكثر عنفاً بنسبة 51 مرة من العمل في المهنة الثانية الأكثر عنفا للمرأة، أي في النوادي الليلية لتقديم المشروبات الكحولية.
وقال العالمين بالدعارة انهم قد تعرضوا للضرب وحوادث الطعن والاغتصاب. أما ما هو أسوأ من الاعتداء الجسدي، فيتمثل بالصدمة، إذ بعد سنوات، يصاب الأشخاص باضطراب ما بعد الصدمة، وأمراض الحوض المزمنة، وتداعيات عمليات الإجهاض القسري، والاكتئاب، والإدمان على المخدرات، وتشويه الذات والخجل.

 

 
في مسح أجرته جمعية الرعاية الصحية في لبنان على مدى أكثر من خمسة أشهر خلال عام 2012، قابل موظفوها 502 عاملة في تجارة الجنس في لبنان وتوصلوا إلى أن ثلثهن مصاب بأحد الأمراض المنقولة جنسيا.
 
ووفقاً للبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، هناك حوالي 1234 حالة إصابة بفيروس نقص المناعة البشري بين عموم المواطنين، في حين يقدر البرنامج أن يكون هناك ما بين 2500 و3000 مصاب بالفيروس يجهلون حقيقة إصابتهم.
 
وحسب لارا دبغي، منسقة مشاريع ببرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، فإن هذا الرقم يدل على الانتشار المنخفض في البلاد ، فهو لا يتجاوز واحد بالمائة. ونحن نأمل ألا تزيد النسبة عن ذلك.
 
 
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز والعدوى بفيروسه، لم تخضع سوى حوالي 200 من العاملات في تجارة الجنس في لبنان لاختبار الكشف عن الإصابة بالفيروس. ولم تكشف الفحوصات عن إصابة أي منهن.
 
وقد عزا العاملون في مجال الصحة ذلك إلى انخفاض معدل انتشار الفيروس في لبنان. ولكنهم أقروا بأن هذا الوضع قابل للتغير بشكل سريع للغاية. حيث أفادت دبغي أن بعض الناس لا يعلمون بأمر إصابتهم. حيث أن عشرة بالمائة فقط من المصابين هم الذين يعلمون بحقيقة حملهم للفيروس على الصعيد العالمي
 
 
وقد تم تشكيل فريق عمل يضم وزارات مختلفة ومنظمات غير حكومية ومنظمات الأمم المتحدة والبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بغرض تصميم حملة توعية وطنية، في محاولة للحفاظ على انخفاض نسبة الانتشار.       
 
إذا، نحن بحاجة إلى نهج شامل لمقاربة مهنة بيع الهوى التي تنطوي على الأخصائيين الاجتماعيين، والأشخاص المنفذين للقانون، وأرباب العمل والسياسيين والمواطنين عامة.
أما الخطوة الأولى، فتتمثل بالإقرار بالضرر الذي يحدث بشكل طبيعي في مهنة الدعارة، فيما تنطوي الخطوة الثانية على ضرورة إنشاء نظم الدعم لمساعدة ضحايا الصدمات للتغلب على صدماتهم، والتوقف عن صناعة ضحايا جدد في المستقبل من خلال مكافحة نقاط الضعف في شبابنا.
وتعتبر الدعارة هي أسرع صناعة إجرامية نموا في العالم، ولكن تشريعها وتجريمها ليس هو الحل. ويتجاهل القرار الكندي أهم جزء من معضلة صناعة الجنس، أي الضحايا.
ويجب ألا تسيطر حقوق نسبة صغيرة من العاملين في مجال الجنس طواعية على حياة وأجسام وأرواح الأشخاص الذين يجبرون على العمل في الدعارة، بمثابة عبودية للجنس وحده.
 

 
جمعية دار الأمل هي جمعية تعنى بإعادة تأهيل الفتيات اللواتي دخلن في النفق المظلم للدعارة . وفي حديث مع أحد المعالجين النفسيين في الجمعية أكد هذا الأخير أن الجمعية تهدف إلى ملاحقة الحالات الكثيرة المنتشرة في لبنان للفتيات اللواتي اجبرتهن الظروف على بيع أجسادهن على الطرقات. وقد شرح المعالج الأسباب التي تدفع غالبية الفتيات نحو هذا العمل مبيناً أن الحالة الاجتماعية و المادية هي المسبب الرئيسي لهذه الأفعال بالإضافة إلى العامل النفسي والحالة العقلية والمستوى التعليمي المتدني عند هؤلاء الفتيات
 
 
دار الأمل هي ليست الجمعية الوحيدة التي تعنى بهذه الأمور فهناك الكثير من الجمعيات التي تعمل في عدة مناطق لبنانية لكنها تعاني من غياب للدعم الحكومي و المادي مما يدفعنا إلى التساؤل عن هذا الصمت من قبل مؤسسات الدولة بالرغم من إنتشار هذه الظاهرة منذ فترة طويلة . فهل المطلوب أن تبقى شوارعنا مزروعة ببائعات الهوى؟ الذي يعكس صورةً تتنافى مع الصورة الحقيقية للبنان الذي نريده بلد للثقافة والأدب والفن وليس للدعارة...
تحقيق FEB 25, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد