وأطفأ الفراغ شمعته الأولى. أطفأها على وقع أناشيد التَّنديد والاستنكار المزيَّفة. كيف لا، ومطلقوها هم أنفسهم "نوَّاب الأمَّة" الذِّين يعتكفون عن النُّزول إلى البرلمان؟ سنة مرَّت والمشهد عينه يتكرَّر: جلسة فتطيير نصاب فتأجيل فاستنكار... وبعد الاستنكار، تصدح الخطابات ذات المشاعر الجيَّاشة لتشمل جميع النُّوَّاب وتحمِّلهم مسؤولية فراغ تعب من هذا الوطن ومن مشاكله المستعصية! بيد أنَّ مطلقي هذه الخطابات قد نسوا، أو بالأحرى تناسوا، أنَّ عددا من النُّوَّاب كان حريصا على إكمال واجباته التَّشريعيَّة فنزل وانتظر علَّ الله ينوِّر عقول المعطِّلين... لكن، قلْ لي على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
ليست هي المرَّة الأولى التِّي يدخل فيها لبنان في الفراغ الرِّئاسيّ، لكنَّ هذه المرَّة هي المرَّة الأولى التِّي يطول فيها الفراغ إلى هذا الحدِّ بسبب عناد البعض وهدوء البعض الآخر. لكن، اسمحوا لي اليوم أن أقول لكم أنَّ هذا الهدوء قد بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة وإن لم يقم فريق الرَّابع عشر من آذار بخطوة تصعيديَّة، سيحاسبه ويحاسبنا التَّاريخ على هدوئنا غير المقبول. إذ يجب كسر الحلقة المفرغة التِّي يدور لبنان في فلكها منذ عام ونيِّف لأنَّها ستطلق رصاصة الرَّحمة قريبا على ما تبقَّى من وطن!
أمَّا فيما يخصُّ نوَّاب فريق الثَّامن من آذار فقد أصبح لساني عاجزا عن التَّعبير. إنَّهم وبكلِّ بساطة "نوَّاب التَّعطيل." تعطيل حكوميّ، آخر برلمانيّ، وأخيرا تعطيل رئاسيّ... ولا يزال الشَّعب ينتخبهم! يا لسخرية القدر! لا أدري إذا خلقوا وهم يعانون من تشويه ضميريّ لكننَّي متأكِّدة أنَّهم يعانون من تشويه وطنيٍّ حاد. أمَّا العلاج النَّاجع فيقضي بخلعهم من السُّلطة الواحد تلو الآخر لأنَّهم عار على السُّلطة التَّشريعيَّة اللُّبنانيَّة.
آمل أن تحمل الأيام المقبلة رئيسا لوطني وألَّا أضطر العام المقبل أن أكتب رسالة فراغ أخرى إلى أصحاب الرُّؤوس الفارغة. آمل أن تبصر هويَّة وطني النوُّر فلا تكون شهادة البشير والرِّفاق قد ذهبت سدى ولا تكون دماءهم مجرَّد دماء رخيصة، باعها البعض في سبيل الوصول إلى السلطة.