بدأت مفاعيل الهجمات الارهابية التي ضربت باريس يوم الجمعة 13 تشرين الثاني "الجمعة الأسود" تتضح أكثر فأكثر في فرنسا. وكانت اصابع الاتهام قد توجهت فوراً الى "الدولة الإسلامية" التي هددت مراراً وتكراراً بضرب دول الغرب وخصوصا فرنسا لانها تشكل رمزاً للحرية في العالم. وبالفعل لم تتأخر "الدولة الاسلامية" كي تتبنى هذا التفجير متوعدة المزيد من الهجمات كعقاب على المشاركة في التحالف الدولي ضدها في سوريا والعراق.
واليوم وبعد أقل من شهر على الهجمات الدامية، بدأنا نلحظ تغييراً ملحوظاً بمواقف العديد من المسؤولين على الصعيد الفرنسي. فالموقف الأول كان لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي اعلن ان "رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد ليس شرطاً لبدء الانتقال السياسي في سوريا"، مع العلم ان فرنسا كانت من أشدّ المعارضين لبقاء هذا النظام المجرم في الحكم ولا نبالغ اذا قلنا انها كانت من أصدق الدول بدعمها للشعب السوري الذي يطالب بالحرية. من دون ان ننسى المبادرة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لتشكيل حلف موحد ضد "داعش" وتفعيل الغارات الجوية ضدها.
لكن الموقف الأبرز اتى مساء الأحد 6 كانون الأول من الشعب الفرنسي خلال الانتخابات المحلية، والذي كرس تفوقاً لحزب "الجبهة الوطنية" بقيادة مارين لوبين على باقي الاحزاب الفرنسية بنسبة قاربت الـ30% على المستوى الوطني وتخطت الـ40% في منطقتين، محققاً نتائج تاريخية لم يشهدها من قبل. صحيح ان هذا الحزب "اليميني المتطرف" كان قد حقق نتائج ملفتة وتقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة وخصوصا في الانتخابات البلدية والأوروبية بشكل خاص، لكن وقع الهجمات كان الدافع الأساسي للشعب الفرنسي لاختيار حزب يقف بوجه تغيير هوية فرنسا ويطالب باقفال حدودها بوجه المهاجرين.
لا يمكن لوم الشعب الفرنسي على هذا الخيار الذي اتخذه، فالتطرف دائماً يغذي تطرفاً مواجهاً له. وتحت تأثير الصدمة غاب عن بال الفرنسيين التدقيق في السياسات الخارجية لـ"الجبهة الوطنية". فرئيسة الحزب صرحت عقب الهجمات الفرنسية ان "فرنسا تدعم اصدقاء الارهاب في سوريا" والمقصود هنا الفصائل المعتدلة، وبالتالي يمكن القول انها وضعت الشعب السوري بأكمله في خانة الارهاب. كما ان السياسة الدعائية للحزب تروج الى ضرورة بناء علاقات مع ايران ونظام الأسد باعتبار انهما يشكلان ضمانة بوجه الارهاب.
بعد هذا العرض المختصر، يأتي السؤال البديهي: من هو المستفيد الأكبر من الهجمات على فرنسا؟ وهل من فصيل تابع للحرس الثوري الايراني ضمن "داعش" ينفذ اوامرها ويحقق أهدافها؟