حين يعيش الإنسان في بلد، يتغلغل الوسخ في نفوس حاكميه وجزء من شعبه، تضحي الأسئلة المتعلِّقة بالنِّفايات الفعليَّة أسئلة تافهة لا جدوى منها. فكيف لسلطة مريضة، جارت عليها الأزمنة والسَّنوات، أن تداوي العلَّة والمرض والدَّاء؟! لا بل كيف لسلطة يتعشعش الفساد في زواياها أن تمحيَ فسادًا وتطبِّق قوانين، تغتصبها هي بنفسها كلَّ يوم؟ آه منك يا وطن الأرز وويحي عليك يا صانع الحرف والحريَّة!
مشكلة النِّفايات، كغيرها من المشاكل، لا تزال ملفًّا مطروحًا على طاولة مجلس الوزراء. بئس هذه الطَّاولة وبئس ملفَّاتها وبئس الجالسين عليها! لكنَّ الجديد اليوم أنَّ لبنان قد بدأ يقسِّم نفاياته لاداراتها ومعالجتها بشكل أكثر فعاليَّة. سنطرح اليوم عليكم مسألة النِّفايات الطِّبيَّة وهي مسألة دقيقة وحسَّاسة وليست سهلة كما يعتبرها البعض. فالنِّفايات الطبيَّة هي عبارة عن قنابل موقوتة بامكانها أن تسمِّم المياه والتُّربة وجسد الإنسان إذا لم يتمّ تلفها بالشَّكل الصحيح. بداية ما هي النِّفايات الطبيَّة وما هو تعريفها؟ تعرِّف منظَّمة الأمم المتَّحدة النِّفايات الطِّبيَّة على الشَّكل الآتي: " تتألَّف النِّفايات الطِّبيَّة من قسمين: 80% من النِّفايات هي مشابهة للنفايات المنزليِّة وتُفرز معها. أمَّا ال20% المتبقيَّة فتعتبر خطرة. تُعتبر النِّفايات الخطرة معدية، وسامة ومحرقة، يُمكن أن تتراكم في الجسم فتسبب الحساسيَّة أو السَّرطان... تحتوي هذه النفايات الخطرة على 95% من النِّفايات المعدية، أي كل ما يلمسه جسم المريض من شاش أو أدوات مستخدمة لمعالجة المرضى... خصوصا الآلات الحادة التِّي تقطِّع. أمَّا ال5% المتبقيَّة فهي عبارة عن الأعضاء المبتورة والأدوية الصَّيدلانيَّة والمذيبات العضويَّة أو المعقِّمات المستعملة في التَّنظيف. والأخطر فيها هي المواد القاتلة للأنسجة، إضافة إلى المعادن الثَّقيلة كالزِّئبق والزَّرنيخ والرَّصاص والمواد المشعَّة. تجدر الإشارة إلى أنَّ خطورة المواد القاتلة للأنسجة تساوي خطورة النِّفايات كلِّها، إذ إنَّها من أخطر المواد المستعملة في الطِّبّ."
.jpg)
إنَّ الخطورة التِّي سلَّطت الأمم المتَّحدة الضَّوء عليها هي خطورة تجتاح اليوم المجتمع اللُّبنانيّ فقد أنذر الوزير نهاد المشنوق عام 2014 عددا كبيرا من المستشفيات التِّي تتلف نفاياتها بشكل مخالف للقانون. إذ يفرض كلُّ نوع من النِّفايات طريقة معيَّنة للتلف. فيما يخصُّ النِّفايات المعديَّة يجب أوَّلا تعقيمها ثمَّ ارسالها إلى الحرق على درجة حرارة تفوق 1200 درجة أو إلى الطَّمر لأنَّ بامكانها نقل الأمراض كالسِّيدا والصّْفيرة. أمَّا بقيَّة النِّفايات الخطرة فتُحرق على درجة 800 درجة مئويَّة في حين تجمع المعادن الثَّقيلة في مستوعب ويُصبُّ فوقها الإسمنت وتُوضع في الأرض. أخيرًا، يجري طمر الأعضاء المبتورة بكلِّ احترام لأنَّها تُعتبر جزءا من الجسم البشريّ.
كالعادة تظهر المبادرات الفرديَّة في لبنان لتطغى على دور الدَّولة ومن أبرز الجمعيَّات المعنيَّة بمعالجة النِّفايات الطّبيَّة هي جمعية أركانسيال (Arc en Ciel) التِّي تعمل على إعادة تدوير النِّفايات وتلفها بالطرق الصِّحيَّة ومن الملفت أنَّ عددا كبيرا من المستشفيات يتعامل مع هذه الجمعيَّة. نأمل أن تستجيب جميع المستشفيات لنداء الجمعيات والدَّولة فتلتزم بالشُّروط الصِّحيَّة فيكفي المواطن الأمراض التِّي تفتك به لكي تأتي هذه النِّفايات وتفتك بما تبقى له من صحَّة جسديَّة ونفسيَّة...
