شهرٌ واحديفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتوقع حصولها في 14 حزيران من هذا العام. بعد آخر إنتخابات حصلت في 2009، ولّد التلاعب بالنتائج مظاهرات كثيفة في البلاد، تم قمعها بطريقة وحشية. وتحدث إنتخابات هذه السنة على وقع حدثين قد ينذران بتفجّر أكبر للثورة الشعبية ضد نظام الملالي في حال تم التلاعب بالنتائج:
-الأول هو الثورة العنيدة في سورية، "الحليفة الأكثر ثباتاً للنظام الإيراني"؛
- والثاني الخلاف الناشب بين الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد (وهو قومي فارسي) والمرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي (وهو متشدد إسلامي.(
إنطلاقاً من هنا، لمساعدة رفاقنا على قراءة وتحليل نتائج وارتدادات هذه الانتخابات، نلقي الضوء في هذا التقرير على بعض جوانب النظام الإيراني.
ماذا عن إنتخابات هذه السنة؟ وهل يمكن أن تحدث تغيرما في السياسة الإيرانية؟
إن الرئيس الإيراني يشكل الحكومة ويترأسها، يقود السياسة الاقتصادية،يختار السياسات التي تقترحها الحكومة أمام مجلس الأمة، ويمثل الجمهورية الاسلامية في الخارج. وبما أن الدستور الإيراني يقول بأن الاسلام الشيعي هو الدين الرسمي للدولة، يتولى القائد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي إدارة المسائل الإستراتيجية، فهو يملك صلاحية القرار بالسلم والحرب، وهو القائد الأعلى للجيش الإيراني الذي لا يخضع لسلطة الحكومة، ويسيطر على الأجهزة المخابراتية والأمنية، كما أنه يعيّن أعلى مسؤول في السلطة القضائية ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. إضافةً إلى ذلك، يعيّن نصف أعضاء مجلس الشورى (الذي يضم ١٢عضواً)، الذي من صلاحيّته أن يوافق على قانونيّة ترشيح كل شخص يتقدم إلى الانتخابات الرئاسية والنيابية. وكان هذا المجلس قد ألغى ترشيح أكثر من ثلث المتقدمين إلى إنتخابات 2009. وبالتالي، يؤثر المرشد الأعلى بشكل غير مباشر على إنتخابات الرئاسة، عبر استبعاد كل مرشح لا ينسجم مع المواصفات المطلوبة. كما أنّ لديه الحق في عزل رئيس الجمهورية، وهذا ما فعله الإمام الخميني بحق الرئيس أبو الحسن بني صدر في عام 1981. وقد كفلت المادّة 110 من الدستور الإيراني كل هذه الصلاحيات.
في نفس السياق، تنصّالمادة الخامسة من الدستورعلى أن "ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانيةفي زمن غيبة الإمام المهدي تكون بيد الفقيه العادل المتقّي العالم بأمور زمان“. وهذه إشارة واضحة إلى الإيمان بنظرّية ولاية الفقيه والالتزام بها في الجمهورية الإسلامية وفروعها، حتى أنه تم تكريسها في الدستور.
عملاً بهذه النظرية، ينوب الولي الفقيه (أي المرشد الأعلى في إيران) عن الإمام المغيّب في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض. والإمام المغيّب هو محمد بن عبد الله المهدي (المهدي المنتظر، أو صاحب العصر والزمان) وهو الإمام الثاني عشر عند الشيعة، الذي غاب في سنة 329 هجري (حوالي 948 ميلادي)، ويؤمن الشيعة أنه سوف يعود يوماً ما لإحلال العدالة على الأرض.وهذه الوقائع تدحض بوضوح كلام الذين يشبهون بين سلطة الوالي الفقيه والحبر الأعظم عند المسيحيين، والقول بأن سلطته تقتصر على مسائل دينية وفقهية، شأنها شأن السلطة البابوية. ولكل راغب في التأكد من هذا الموضوع أن يقرأ كتاب آية الله الخميني "الحكومة الإسلامية"، الذي يعتبر المرجع الأساسي الحديث في إحياء وتحديد نظرية "ولاية الفقيه" (وتم الاستناد إليه لصياغة دستور الجمهورية الإسلامية في 1979)، والذي بحسبه تخضع كل الشؤون الفقهية والعسكرية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية لسلطان الوالي الفقيه الجامع للشرائط.
بناءً على ما تقدم، إن الانتخابات الإيرانية لن تؤثر بتاتاً على توجهات الجمهورية الإسلامية. وإستناداً عليه على كل الدول العربية أن تعيد حساباتها في علاقاتها بالجمهورية الإسلامية. وهنا نحتاج إلى الكفّ من اعتماد سياسة دفن الرؤوس في الرمال وأن نتصارح.
إن إيران هي "عدوة" العرب منذ آلاف السنين، حتى قبل نشوء الكيان الإسرائلي في 1948. وإسرائيل وإيران هما وجهان لعملة واحدة فيما يخص علاقتهم بالعرب. وليست صفقة "الكونترا" إلا واحدة من الأمثلة لتواطؤ الطرفين ضد العرب، والتي قدمت إسرائيل بموجبها سلاحاً مضاداً للدبابات وللطائرات للجمهورية الإسلامية إبتداءً من 20 آب 1985 بهدف دعمها في حرب الخليج ضد عراق صدام حسين، ومثلما أن إسرائيل تحتل اراضٍ عربية في الضفة الغربية ومزارع شبعا وهضبة الجولان، كذلك تقوم إيران بإحتلال الجزر الإماراتية "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" وجزيرة "أبو موسى" الواقعة في مضيق هرمز. وكما قاتلت إسرائيل وقتلت العرب، هكذا تفعل إيران، حيث صفّت مئات ألوف العراقيّين في حرب الخليج، ولا يزال هناك حوالي 800,000 عراقي مفقوداً من ذلك الوقت. وفيما تتيح إسرائيل لمواطنيها من الأصل العربي بتمثيلٍ في البرلمان (وقدحصدوا11 مقعد في الانتخابات الأخيرة)، وبالمقابل، لا تتمثّل الأقلية العربية في البرلمان الإيراني بأي نائب.
نتوجّه بهذه المقاربة للعرب المتحمسين للحكم الفارسي، فنسأل: هل يطيب لكم حقاً أن تخضعوا لحكم دولة فقدت عملتها 70% من قيمتها خلال السنة الأخيرة، حيث كان الدولار الأميركي يساوي 10,800 ريال إيراني في ختام 2011، وأصبح الآن يساوي 38,500 ريال؟
إن إيران، التي تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مخزونها للنفط، والتي تصدره إلى كل أنحاء العالم، تفرض كوتا أسبوعي للبنزين على مواطنيها. ونشرت بعض الصحف مؤخراً أن هناك 25 مليون جرذ في شوارع طهران وفشلت السلطات في القضاء عليها. فهل تريدون أن تعيشوا في ظل حكم فاشل على كافة صعد الإدارة؟
وفي ظل المعاملة العنصرية للاقليات، التي تتهض من قبل السلطات، مثل الأكراد (7 إلى 10% من الشعب) والتركمان (2%)، والبلوش (2-4%- وهم من جذور باكستانية)، وتلك الأقليات الثلاث تنتمي إلىالطائفة السنية. أما المسيحيين البالغ عددهم 250,000 نسمة (منهم حوالي 50,000 ارمني(، فمعاملتهم ليست أفضل من غيرها، حيث تخضع مقرّاتهم لمراقبة شديدة من قبل المخابرات. ورغم وجود بعض مراكز العبادة لتلك الأقليات تم تشييدها قبل الثورة الإسلامية في 1979، إلا أن السلطات تمنع بناء أي دور عبادة جديدة غير تلك التابعة للطائفة الشيعية.
والأفصح، معاملة عرب إيران في منطقة اهواز، المجردين من أبسط حقوقهم بالرغم انتمائهم للطائفة الشيعية، ويشكلون بين 3% و5% من مجمل عدد سكان الجمهورية الاسلامية البالغ 70 مليون نسمة. فهل يا حلفاء النظام الإيراني تتشوقون إلى تلك المعاملة عندما تثبت إيران نفوذها في المنطقة؟
حتى أن الأقلية الآذرية الشيعية أيضاً (نسبةً إلى دولة آذربيجان، والتي تشكل 24% من السكان)، والتي ينتمي إليها السيد خامنئي، ثارت بصخب في المدن الغربي-شمالية في ايار 2006، بعد أن شبهتها إحدى الصحف الرسمية إلى الصراصير. وفي ايار 2007, تم توقيف المئات من المطالبين بحقهم في إستخدام اللغة الآذرية بدلاً من الفارسية المعمول فيها رسمياً.
فهل يقبلهذا النظام بما يعادل القانون الارثودكسي عنده، والذي يدفع بإتجاهه في لبنان؟