النزوح: عوامل عديدة ومشاكل تبحث عن حلول
تحقيق MAY 07, 2013
النزوح هو ترك الشخص منطقته ليستقر في مكان آخر. وهو ذات الهجرة ولكن من منظور بلد المنشأ. وتسمى حركة الإنسان قبل اقامة الحدود السياسية أو داخل دولة واحدة، "النزوح". وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدى للنزوح. بعضها أسباب سياسية أو اقتصادية، أو لأسباب شخصية ...

ينتقل العديد من المغتربين السياسيين أو الاقتصاديين مع أسرهم، نحو مناطق جديدة أو دول جديدة حيث يأملون في العثور على السلام أو فرص عمل لا تتوفر لهم في موقعهم الأصلي.

من عوامل الدفع الى النزوح، المجاعة او الجفاف ـ المرض ـ الفقر ـ الفساد السياسي ـ الأصولية الدينية/ التعصب الديني. الكوارث الطبيعية، استياء من المواطنين، مثل المضايقات المتكررة، البلطجة، والاعتداء على السكان الأصليين.
انعدام فرص العمل، انعدام الحقوق المختلفة، هدف نشر الثقافة الخاصة والدين.

هذه العوامل، باستثناء الخلاف مع السياسة والسخط من السكان الأصليين والمهاجرين، لا تؤثر على شعوب البلدان المتقدمة، وحتى وقوع كارثة طبيعية لا تتسبب غالبا في النزوح إلى الخارج.

اما عوامل الجذب الى البلدان الأخرى فهي:

دخول أعلى، ضرائب أقل، أحوال جوية أفضل، توافر فرص العمل، مرافق طبية أفضل، مرافق تعليم أفضل، سلوك أفضل بين الناس، أسباب عائلية، الاستقرار السياسي، التسامح الديني ،الحرية النسبية، الهيبة الوطنية.
يؤدي النزوح الناجم عن النزاعات المسلحة إلى اقتلاع الناس من البيئة التي يمارسون ويتسبب في معاناتهم أشد المعاناة. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ان النزوح الداخلي يرجع إلى سببين رئيسين،كلاهما ناجم عن انعدام الأمن.
 


فأولاً، يفر الأشخاص منمنازلهم بسبب ما تتعرض له حياتهم من تهديدات مباشرة، من قبيل النزاعات المسلحة أوالعنف أو التمييز أو التخويف. واختيار النزوح عن المنزل العائلي هو قرار مؤلم تكتنفه هالة من الشك حول ما يخبئه المستقبل. ولا يتخذ مثل هذا القرار ببساطة. فهو يعرض الأشخاص لأضرار بدنية والبؤس وفقدان سبل عيشهم العادية والانفصال عن أحبائهم.
 
ثانياً، يهجر الناس منازلهم بسبب الأخطار التي تهدد أسباب كسب عيشهم. وقد يؤدي القتال وانعدام الأمن إلى استحالة سبل كسب الرزق أو حصولهم على الخدمات الأساسية، لكونهم لم يعودوا قادرين على العمل في حقولهم أو بيع منتجاتهم أوالوصول إلى الأسواق. ويمكن أن يعرقلا سبل حصولهم على الرعاية الصحية، وإمدادات المياه، والتعليم، وغيرها من الخدمات الأساسية.

كثيراً ما يعتقد معظم الأشخاص الذين يفرون من منازلهم أن النزوح إجراء مؤقت، وهم يأملون في العودة إليها في أقرب وقت ممكن. وقد يسعون إلى البحث عن مأوى لعائلاتهم أو أصدقائهم في المجتمعات المجاورة وللتقليل من آثار تعطل نسق حياتهم العادية إلى أدنى حد. وتستقبل هذه العائلات والمجتمعات المضيفة القادمين الجدد وتتقاسم معهم مواردها – التي غالباً ما تكون هزيلة- حتى قبل أن تعلم المنظمات الدولية وغير الحكومية بالمشكلة وقبل أن تبادر إلى تقديم المساعدة.

 


ففي لبنان، أخطر ما فعلته الحرب هو تغيير خريطة التوزيع السكاني ودفع أعداد كبيرة من المواطنين للنزوح الى مناطق أخرى ليس لهم فيها تلك الشبكة من العلاقات الاجتماعية، ولا تستطيع أن تقدم لهم تلك الحميمية والخصوصية، لذلك فإن عملية الانسلاخ تمثل فعل بتر وإلغاء لمساحة أصلية من حياة الإنسان من الصعب ترميمها أو إعادة إنتاجها، كما أن الحرب تؤدي أيضاً الى التباس مفاهيم النزوح والهجرة وتداخلهما بشكل لا يعود من الممكن معرفة أيهما هو الآخر وأيهما يحمل فعلاً المعنى الذي التصق به على مر الأزمان، فالنزوح كما شهدته العديد من المناطق اللبنانية أثناء الحرب والذي استمر بعد انتهائها لا يمكن أن يكون بشكل من الأشكال نزوحاً مرتبطاً بمعنى جزئية الإقامة في المكان المنزوح إليه وعدم ديمومتها إضافة الى ذلك الطابع الطارئ والعارض والذي لا يسمح لممارسي مثل هذا النوع من الانتقال القيام بمشاريع تجارية واجتماعية وحتى عاطفية في هذا المكان الجديد.

نزح الآلاف بل ومئات الآلاف من اللبنانيين من المناطق المعرضة للقصف الى مناطق اعتبرت اكثر أماناً لأسباب خاصة فقط لمن يعتبرها كذلك.

وقد امتاز النزوح في لبنان تاريخياً بأن له أسباباً معينة لعل أبرزها مركزية الخدمات التي تتخذ من العاصمة مقراً لها، وتالياً فإنه من الأفضل لطالبي العلم والاستشفاء مثلاً السكن مرحلياً في المناطق القريبة من العاصمة أو في العاصمة نفسها، مثل هذه الأسباب لم تعد قائمة الآن لأنه لا مركزية للخدمات، فقد أصبحت كافة أنواع الخدمات منتشرة في كافة المناطق مع تميز ما لبيروت وضواحيها في بعض أنواعها، لكن فكرة المركزية نُسفت، الأسباب الجديدة للنزوح التي برزت أثناء الحرب واستمرت بعدها تعود بشكل أساسي الى الرغبة في الحصول على الأمن وفي بعض الأحيان تكون الأسباب هي الرغبة في بناء حياة جديدة بعد تداعي كل مقومات الحياة في المناطق الأصلية، فبعض الناس لم يفقدوا منازلهم فحسب بل فقدوا أراضيهم ومعاملهم وورشهم، إذاً البحث عن أبسط مقومات الوجود وعن العمل، أي عمل، يشكل الدافع الأساسي للنزوح في صيغته المستجدة، إذ أن هناك نوعية معينة من الأعمال في مناطق معينة دمرت بالكامل.
 

اما الحلّ للحد من هذا النزوح هو الإنماء المتوازن للمناطق، اذ لطالما شكل مفهوم الإنماء المتوازن مصطلحاً تعارف اللبنانيون على كونه مطلباً سياسياً وادارياً لتحقيق العدالة في التنمية والتطور وتوزيع الثروة الوطنية، ولن أقارب هذا المفهوم من زاوية مختلفة تتعلق بالعمل البلدي ووظيفته الأساسية المتعلقة بالاهتمام بالإنسان كقيمة وثروة لا تضاهيهما أية قيمة وثروة مادية.

إن جوهر الإنماء المتوازن في العمل البلدي هو تحقيق التوازن بين إنماء الحجر وإنماء البشر، ولذلك فإن إنماء الإنسان على كافة الصعد هو الدور الأساسي الذي يجب على البلديات القيام به، لأن التنمية البشرية المستدامة وتنمية الموارد البشرية تسير جنباً إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية التي تقوم بها البلديات، وخصوصاً القرى في المناطق المحرومة التي عانت ولا تزال تعاني من الإهمال من قبل الحكومات المتعاقبة في لبنان من مرحلة الاستقلال حتى الآن.

قد يقول قائل إن دور البلديات هو إنماء الحجر عبر شق الشوارع وتعبيدها وبناء الارصفة والجدران التجميلية وجدران الدعم وغير ذلك من الأشغال، على اعتبار أن هذه الأمور هي اولوية في عمل البلديات لكي تعوّض عن الإهمال الرسمي المزمن للقرى والبلديات.. صحيح هذا الرأي من حيث المبدأ، ولكن الاصح هو أن الإنسان الذي يسير على الطرقات أهم. فالطريق المعبدة والمشجرة وذات الأرصفة الجميلة لا تؤمّن للمواطن فرصة التعلم أو الاستشفاء أو تعلم مهنة.

لقد اندفعت معظم البلديات نحو انماء الحجر وغاب عن البال انماء الإنسان، فتغنوا بشق الطرقات وتعبيدها، وكانمن النادر الحديث عن مشاريع إنتاجية أو عن مشاريع تدريب على الحرف المهنية أو مشاريع لتطوير وتحديث الإنتاج الزراعي والحيواني وتربية الدواجن وتقنيات التصنيع الغذائي.
 


أولوية الأولويات للبلديات هي تعزيز التنمية البشرية، ونتوجه للبلديات التي لم تقم حتى الآن بذلك لتدارك الأمر والانصراف للاهتمام بالمواطن، فالإنماء لا يتحقق بيوم أوسنة أو سنتين، بل يحتاج للتخطيط السليم والوقت اللازم، ويجب أن تتضمن هذه الخطط التنموية البشرية البرامج التالية:


1.  المشاريع الإنتاجية
2.  الرعاية الصحية
3.  رعاية المدرسة الرسمية
4.   إقامة التعاونيات الإنتاجية الزراعية والغذائية
5.   إنشاء المناطق الصناعية
6.   إنشاء المراكز الثقافية ومراكز المطالعة
7.   إنشاء دور الرعاية للمسنين
8.   شق الطرقات الزراعية وبناء البرك لتجميع الأمطار
9.   مساعدة أصحاب المهن والحرف وصغار المزارعين
10.  الاهتمام بالحركة الكشفية والمخيمات الصيفية
11.  إحياء التراث القروي
12.  تكريم الشخصيات العلمية والأدبية والسياسية والاقتصادية
13.  تكريم المغتربين وإشراكهم بالتنمية البشرية
14.  إقامة الدورات للتدريب المهني والزراعي والتصنيع الغذائي.
 


هذه العناوين التي ذكرناها تشكل خارطة طريق للإنماء المتوازن، وإذا كانت الموارد المالية لا تسمح للبلديات بتحقيق الجزء الأكبر من هذه المشاريع التنموية فهناك إمكانيات لكي تدخل البلديات في شراكة مع أطراف أخرى لتمويل هذه المشاريع.

ومن هذه الأطراف الهيئات والمنظمات الدولية غير الحكومية، إضافة للمنظمات الوطنية، كما يمكن الاستفادة من هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الإسلامية من أجل تحقيق هذه الغاية.

ونشير أيضا إلى أهمية دور اتحادات البلديات في هذا المجال لأنها تؤمّن موارد أوسع للبلديات الصغيرة، كما إنها توسعدائرة المشاريع التنموية على الصعيد الجغرافي، إضافة لإنجاز المشاريع المشتركة بين البلديات، والتي تشكل حالة تعاونية وتعاضدية بين أبناء القرى المتجاورة المنضوية فياتحاد البلديات.
إن ضعف الإمكانيات المادية ليس عذراً مقبولاً لتقاعسنا في وضع قطار إنماء البشر على السكة الصحيحة لكي ننطلق بالخطوة الأولى في هذه المسيرة الطويلة.
                                                                                                       
 
 
 
 
تحقيق MAY 07, 2013
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد