النبيذ هو شراب روحي يُتَّخَذُ من عصير العنب، ويُترَكُ حتى يختمر. وهو مشروب معروف في لبنان، كما في بلدان عديدة اذ شيئا فشيئا تتعزز شهرة سهل البقاع في شرق لبنان كمنطقة لزراعة الكرمة تجتذب صناع النبيذ.
تختلف وتتعدد طرق تصنيف النبيذ لكثرة المؤشرات أو الصفات التي يمكن أن تختلف أو تشترك بين نوع وآخر، كنسبة السكر، ومحتوى الكحول، واللون، ووجود غاز CO2... الخ.
ويمكن أن نميز الأصناف التالية من النبيذ:
النبيذ الهادئ ويشمل: نبيذ المائدة، النبيذ المقوّى، النبيذ المعطر.
النبيذ الحاوي على غازCO2 ويشمل: الشمبانيا، النبيذ المتلآلئ، النبيذ الفوّار.
وبشكل عام كل أنواع النبيذ وحسب جودتها تقسم إلى: نبيذ ذو علامة تجارية، ونبيذ عادي. أما من حيث اللون فهي تقسم إلى: نبيذ أبيض، ونبيذ أحمر، ونبيذ روزي.
وبحسب الخبير في شؤون النبيذ السيد فادي صدقة يمكن تلخيص خطوات صناعة النبيذ من العنب بالخطوات التالية:
1. عمليات الجني والحصاد والفرز:
يشترط في الثمار التي تجمع لصناعة النبيذ، أن تكون تامة النضج خالية من الإصابات الفطرية والحشرية، ويجب أن تتم عملية الجني في الصباح الباكر، وأن تفرز وتستبعد الثمار غير الصالحة للصناعة، كالثمار الجافة وغير الناضجة... بشكل عام يجب أن يكون تركيب وصفات العنب الموجه لصناعة صنف معين من النبيذ مناسباً لإنتاجه من ناحية النضج والطزاجة.أما عند قطف العنب فيجب أبعاد الأجزاء الخضراء والجافة الرديئة أو المصابة بالعفن خوفاً من فساد النبيذ المنتج، كما يجب أن يتم القطاف في طور النضج الملائم، ويجب الحذر من جرح الثمار عند التعبئة لأن ذلك يسرع في فساد وتلوث النبيذ.
2. النقل إلى المصنع:
يقصد بهذه المرحلة تنظيم عملية دخول العنب إلى أرض المعمل، حيث يؤخذ الوزن الكلي للشاحنة المحملة بالعنب، ثم الوزن الفارغ والفرق بين الوزنين يعطي الوزن الصافي للعنب الداخل للمعمل. ويتم تدوين ذلك على بطاقة خاصة تسمى بطاقة إدخال العنب، وتحمل هذه البطاقة معلومات معينة مثل (اسم المورد، صنف العنب، الوزن الصافي، تاريخ الإدخال، نسبة السكر في العصير).
3. عملية الهرس:
تجري هذه العملية مباشرة بعد الإدخال، حيث يتم فيها وضع العنب ضمن أحواض خاصة للتجميع، ثم ينقل العنب بواسطة حلزون إلى آلة الهرس ويتم فيها تحطيم وهرس الثمار حيث يخرج العرمش إلى خارج الآلة وباقي المهروس يتم سحبه بواسطة مضخة خاصة إلى قسم العصر. مع العلم ان العصر يتم عند تحضير النبيذ الروزي والأبيض (دون المهروس). اما بالنسبة للنبيذ الأحمر، فينتقل مباشرة ً للتخمير (مع المهروس) ويُعصر من بعد عمليتيّ التخمير.
يضاف غازSO2 على شكل محلول تركيزه 5% أو 10% إلى المهروس وذلك أثناء مروره في الأنبوب الناقل بين آلة الهرس وآلة العصر وفي نقطة الوسط تقريباً، وتختلف هذه الكمية من صنف لآخر حسب درجة نظافة العنب وسلامته من الأمراض ودرجة حرارة الطقس. يستخدم غازSO2 في صناعة النبيذ من أجل تعقيم العصير من الأحياء الدقيقة الضارة، والمحافظة على مكونات العصير من الأكسدة. وقد سمحت المنظمة الدولية للكرمة والخمور بإضافة النسب التالية:
· 200 ملغ للتر الواحد، للنبيذ الذي يحوي 4 غ/ل أو أقل من السكر وللنبيذ الأحمر والوردي.
· 250 ملغ للتر الواحد، للنبيذ الأبيض.
· 300 ملغ للتر الواحد، للنبيذ الذي يحوي كمية من السكر أكثر من 4 غ/ل.
4. عملية العصر:
تهدف هذه العملية إلى فصل العصير عن التفل بواسطة آلات خاصة تسمى آلات العصر، وهذه العملية تتم على مرحلتين أو ثلاث.
5. تخمير عصير العنب:
بالنسبة للنبيذ الروزي والأبيض، يجمع العصير الناتج عن عملية العصر ويضخ إلى خزانات التخمير اما النبيذ الاحمر فنبدأ بعملية التخمير مع المهروس.
ومن العوامل المؤثرة على عملية التخمير:
· درجة الحرارة:هي من أهم العوامل المؤثرة، والمجال الأمثل لها بين 15-20°م.
· ثاني أوكسيد الكبريت:يعمل على استهلاك الأوكسجين فيمنع تأكسد النبيذ، ويساعد وجوده على وقف نمو البكتيريا.
· الأنزيمات والفيتامينات:تلعب دوراً منشطاً في عملية التخمر، أما المواد المنكهة والكحول وأملاح المعادن الثقيلة والمواد التي تنتجها الخمائر والبكتيريا فتلعب دوراً مثبطاً.
ويمكن اختصار التغيرات الفيزيائية التي تحدث أثناء عملية التخمر بما يلي:
· انخفاض الوزن النوعي
· انخفاض الحجم.
· تغير القوام: تحدث تغيرات في قوام مكونات العصير نتيجة التفاعلات الكيميائية والبيوكيميائية.
أما التغيرات البيوكيميائية التي تحدث أثناء التخمر فنوجزها بما يلي:
· تشكل الكحول الإيتيلي:التخمر الكحولي هو عبارة عن جملة تفاعلات بيوكيميائية معقدة تقوم بها أحياء دقيقة لا هوائية، يتم بموجبها تحول السكر إلى كحول وغازCO2 .
· تشكل الكحول الميتيلي:توجد في عصير العنب كمية ضئيلة منه، إلا أن القسم الأكبر يتشكل أثناء تخمر المادة البكتينية الموجودة في القشور.
· تكون الغليسيرول:وهو ناتج مرحلي يختفي في نهاية عملية التخمير، وتصل نسبته في عصير العنب إلى 5.3-7.5غ/100غ إيتانول.
· تشكل البوتلين غليكول:تصل نسبته إلى 0.6 غ/لتر.
· تشكل الكحولات العالية:مثل الكحول البروبيلي والإيزوبروبيلي.
· تشكل الحموض العضوية:مثل حمض السكسنيك (0.5-1.5غ/لتر)....
· تشكل مواد أخرى:مثل الأسترات والفورفورال والمواد العطرية.
6. نضوج وتعتيق النبيذ:
بعد عملية التخمير يتم نقل أو فصل العصير المتخمر إلى خزان نظيف ومحفوظ بعيداً عن الهواء، حيث يترك النبيذ ليرقد فترة معينة حسب حالة النبيذ وتتحدد هذه الفترة بعوامل مختلفة مثل نوع العنب ونظافته ونوع النبيذ المراد الحصول عليه. ويجب عدم ملامسة النبيذ في هذه المرحلة للهواء لأن تأثيره سيكون أعظم من أية مرحلة أخرى. وفي مرحلة الترقيد، التي لها الأهمية الكبيرة في تشكل الأسترات والألدهيدات المسؤولة عن النكهة الخاصة بالنبيذ والصفات الجيدة، حيث أن الترقيد الطويل يؤدي إلى تحول بعض المواد البروتينية إلى حموض أمينية، وهذا التحول ينتج عنه بعض الأسترات والكحولات العالية مما يسهم في تحسين جودة النبيذ، وكلما كان النبيذ مصنوعاٌ من عنب جيد ونظيف كلما أمكن تعتيقه لمدة أطول والعكس صحيح وتتم عملية النضوج هذه في درجات حرارة منخفضة في خزانات او براميل خشبية.
النبيذ اللبناني
ظهرت في لبنان ومنذ انتهاء الحرب الاهلية (1975-1990) اكثر من عشرة اسماء لمعامل النبيذ تتنافس فيما بينها لتقدم افضل منتوج.وأكد الخبير صدقة، ان الجوائز التي نالها بعضهم في المعارض الدولية تدل على انهم نجحوا بلفت انتباه الذواقة رغم المنافسة الجدية التي يواجهونها.
ففي " Domaine Warde" يُعتبر النبيذ الحامل لاسم Château les Cèdres 2006خلاصة نخبةٍ نبيذيّةٍ تفوح منه رائحة جذور الأرز وينتشي الذوق في معايشة مزيج العنب الأحمر والخشب العتيق، وهو ذاك المزيج الفريد الذي خوّل هذه السلسلة بالذات أن تفوز بميداليّتيْن ذهبيّتيْن في فرنسا.
ويشير سيرج هوشر الى ان "صناعة النبيذ اللبناني تحسنت بشكل ملحوظ". هذا وتملك عائلة هوشر مصنع "شاتو موزار" لانتاج النبيذ الذي نال جائزة في معرض بريستول (بريطانيا) للخمور عام 1979. ويقول مايكل كرم مؤلف كتاب عن النبيذ اللبناني ان سهل البقاع "منطقة ممتازة لزراعة العنب المستخدم في صناعة النبيذ".ويضيف معددا المواصفات التي تتميز بها هذه المنطقة"الامراض قليلة الفترة المشمسة تمتد على مدى 320 يوما في السنة ارتفاع الارض عن سطح البحر انحدارها وطبيعتها ،جميعها جيدة".
اما "شاتو كسارة" فهو اقدم مصانع النبيذ في لبنان، اسسه الاباء اليسوعيون عام 1857 "شاتو كسارة" الذي يتمييز بكيفية صناعته للنبيذ وللشروط التي يوفرها لهذا التصنيع والتي توافق المعايير العالمية. ومن مصانع الخمور الجيدة ايضاً مصنع "كوتو دو ليبان" الذي لفت الانتباه رغم حداثته.ففي العام 2003، اطلق نيكولا ابي خاطر "كوتو دو ليبان". وتوفي بعد ست سنوات، فتولت زوجته "رلى" زمام الامور بمساعدة ابنه وهي تنتج بشكل منتظم. وقد أظهرت نجاحاً باهراً في هذا المجال. وقد اكدت السيدة رلى بأن النبيذ اللبناني هو من أفضل الأنبذة على الإطلاق. اما "مسايا" فتأسست منتصف التسعينات على يد شقيقين لبنانيين وشريك فرنسي، وارتقى انتاجه بسرعة ليصبح مدرجا على لائحة الخمور في فندق "الريتز" و"جورج الخامس" في العاصمة الفرنسية.
ويؤكد الاخوان ساندرو وكريم سعادة اللذان اطلقا "مارسياس" في العام 2005 بمساعدة ستيفان ديرينونكور، الخبير الشهير في صناعة الخمر، انها "سوق متخصصة وصغيرة جدا لدرجة انها تثير الفضول". ويقولان ان "مصانع الخمر الصغيرة سترسم مستقبل لبنان" في هذا القطاع.
سيباستيان خوري الذي تدرب في سان اميليون، اطلق في العام 2006 "دومين دو بعل" الذي ينتج النبيذ ذات الجودة العالية.وبدوره السيد كارلوس غصن، مدير عام شركتي "رينو" و"نيسان" وهو فرنسي من اصل لبناني، اطلاق نبيذ "اكسير" مع شركاء محليين.اضافة ً الى العديد من مصانع النبيذ التي اشتهرت اسمائها : "شاتو نكد"، "شاتو قنفار"، "شاتو كا"، "دومان دو تورال"، "اريتاج"، " شاتو سان توماس"، "كاف كروم".....
من هنا أهميّة تنشيط وتفعيل هذا القطاع ودعمه محلياً وتفعيل صادرات النبيذ اللبناني الى الأسواق الخارجية .