المخدرات آفة خطيرة تدخل في قلب المجتمعات فتدمر كيانه... أسباب التعاطي عديدة ونتائجه قاسيّة وأليمة. ولهذه المواد السامة مروّجون يحاولون دخول كل البيوت ويجتاحون أيضاً المدارس والجامعات والنوادي والملاهي.
وفي بحث حول واقع هذه الظاهرة ومدى إنتشارها في لبنان، نجد أن لبنان ليس من الدول الرئيسية التي تنتج المخدارت او تتاجر بها، لكنه لاحظ ان انتاج القنب لا يزال مستمرا، وان استهلاك المخدرات قد ازداد وخصوصا في صفوف الشباب.
ونسب الى مسؤولين كبار في قوى الامن الداخلي ان "مكافحة المخدرات تأتي في المرتبة الثانية في اولوياتهم بعد مكافحة الارهاب"، وان انتاج القنب والافيون في سهل البقاع يتلف في كل موسم. لكن هذه التدابير ليست بكافيّة مما يستدعي وضع خطة دفاعية بوجه السمّ الذي يهدد اللبنانيين والشباب خاصةً بعد تفشي هذه الظاهرة بين أروقة المدارس والمعاهد والجامعات.
وقبل الغوص في قلب هذه المشكلة لا بد لنا من أن نعرف المخدرات بشكلٍ دقيق و موسع، يقصد بالمخدرات من جهة ، مواد التخدير الخاضعة للرقابة الدولية وفقا لاتفاقية عام 1961م كما أكدته اتفاقية عام 1971م.

أما التعريف القانوني: المخدرات مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي ويحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك.
المخدرات أو العقار بمعنى أدق هي مواد ذات طبيعة كيماوية تؤثر على العقل أو الجسم البشري، و مع الاعتياد على التناول يصبح هناك ما يسمى بــ "التحمل"و هو حالة فسيولوجية مكتسبة تتميز بقدرة الجسم على تحمل العقار ما يؤدي إلى الحاجة إلى أخذ جرعات متزايدة للحصول على التأثير نفسه الذي كان متاحا في الأصل بجرعات أقل، فيصل المتعاطي إلى مرحلة الإدمان.
والإدمان يمر بالمراحل التاليّة:
-
مرحلة الاعتياد Habituationوهي مرحلة يضطر يتعود فيها المرء على التعاطي دون أن يعتمد عليه نفسيا أو عضويا وهي مرحلة مبكرة، غير أنها قد تمر قصيرة للغاية أو غير ملحوظة عند تعاطي بعض المخدرات مثل الهيروين، المورفين والكراك.
-
مرحلة التحمل Tolerance وهي مرحلة يضطر خلالها المدمن إلى زيادة الجرعة تدريجيا وتصاعديا حتى يحصل على الآثار نفسها من النشوة وتمثل اعتيادا نفسيا وربما عضويا في آن واحد.
-
مرحلة الاعتماد، الاستبعاد أو التبعيةDependence وهي مرحلة يذعن فيها المدمن إلى سيطرة المخدر ويصبح اعتماده النفسي والعضوي لا إرادي ويرجع العلماء ذلك إلى تبدلات وظيفية ونسيجية بالدماغ. أما عندما يبادر المدمن إلى إنقاذ نفسه من الضياع ويطلب المشورة والعلاج فإنه يصل إلى مرحلة الفطام Abstentious والتي يتم فيها وقف تناول المخدر بدعم من مختصين في العلاج النفسي الطبي وقد يتم فيها الاستعانة بعقاقير خاصة تمنع أعراض الإقلاعWithdrawal Symptoms .

وردت عبارة "استهلاك المخدرات في لبنان ازداد خصوصاً في صفوف الشباب" في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن مكافحة المخدرات في العالم لعام 2009. والتقرير وإن كان لحظ ما يمكن للخارجية الاميركية أن تعتبره إيجابياً، وهو أن "لبنان ليس من الدول الرئيسة التي تنتج المخدرات أو تتاجر بها"، غير أن هذا التقرير وضع الإصبع على جرح لم يفلح البلد الصغير في معالجته موضعياً، فراح يتسع إلى أن تفاقم الأمر حتى يكاد لا يمر يوم يخلو من أخبار عن توقيف تاجر مخدرات أو عن ضبط محاولة تهريب للمادة إلى البلد أو منه.
وإذا أرفقنا ما ورد بتكرار حوادث وفاة شبان دون الـ25 سنة إثر تعاطيهم كميات كبيرة من المخدرات، مضافاً إليه صرخات بعض السياسيين والجمعيات الأهلية والمؤسسات المعنية بإرشاد المدمنين وتأهيلهم، فإن هذا يدل صراحة على أن البلد يقف تماماً فوق الخط الأحمر لسلامة بنيته الاجتماعية وأمنه ومستقبله…

والدرسات الأخيرة التي قامت بها جهات تعنى بأمور العلاج تؤكد تدني سن المدمنين، وصار بين المدمنين طلاب مدارس وجامعات إناث وذكور. وعندما نقول عن شخص ما إنه مدمن في عمر الـ24، فهذا يعني أنه يتعاطى المخدرات من عمر 12 أو 13 سنة.
صغر سن المدمنين يؤكده أيضاً استطلاع للرأي أجرته شركة «الدولية للمعلومات» بين طلاب توزعوا على سبع جامعات خاصة في لبنان. وكشف الاستطلاع أن «نسبة تقبل فكرة تعاطي المخدرات ترتفع لتبلغ ذروتها لدى الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و24 سنة 35 في المئة»، وأن «36 في المئة من الطلاب المستطلعين جربوا الحشيشة ولو لمرة واحدة، مقابل 23 في المئة جربوا الماريجوانا، وأن نسبة الطلاب الذكور الذين جربوا المخدرات أعلى من نسبة الإناث. ونحو نصف الطلاب 48 في المئة الذين تم استطلاع آرائهم يصفون طريقة الحصول على المخدرات في جامعتهم بأنها سهلة وأن 51 في المئة يعرفون مروجاً للمخدرات.
وهذه النبتة السامة اصبحت حديث الطلاب، في الجامعات الرسمية والخاصة، يتجادل الطلاب حول هوية نبتة الحشيشة، هل هي مخدّرات أم لا؟ يقول البعض إنها عشبة ومنعها يستوجب منع التدخين أيضاً.

فالحشيشة بنظرهم، متهم بريء لم تثبت إدانته. في الضفة الأخرى، شباب مقتنعون بالرأي العلمي بشأن هذه النبتة المخدّرة.
أما حبوب الهلوسة، فلا جدال بخصوص انتشارها في قمصان بعض الشابات، وأيدي بعض الشباب في الملاهي الليلية. وفي بعض المناطق اللبنانية، تتجاوز مسألة
المخدّرات البعد التجاري، لتتحول إلى جزء مكوّن من الثقافة الاجتماعية لمتعاطيها.
وفي الإحصائيات الأخيرة ، حول تعاطي المخدرات في الجامعات الخاصة تبين أن:
- 44% من المواطنين يرون أنّ الحصول على المخدرات سهل.
- 28% يتعاطون الحبوب أو المخدرات أسبوعياً.
- 40% جربّوا المواد المخدّرة.
- 51% يعرفون مروج مخدرات.
- 14% مسرفون في تناول المهدئات.

مما لا شك فيه أن مشكلة انتشار المخدرات وتعاطيها خاصة بين الشباب بما فيهم تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وظهور أنواع جديدة من المخدرات غير التقليدية المعروفة بالحشيش والأفيون، تتمثل في الهيروين الذي يستخلص بصورة مركزة من الأفيون وظهور المنشطات مصل الكوكايين والفيتامينات والقاطوبعد هذا الغزو حضر موضوع المخدرات وإنتشارها في منقشات عديدة منها جلسة برلمان الأطفال حيث سألت إحدى التلميذات الرئيس ميقاتي عن اجراءات الحكومة لحماية الأطفال من المخدرات فأجابها: "لقد تطرّقتِ الى اخطر موضوع على المجتمع، وفي الحقيقة لقد بحثنا في آخر جلسة لمجلس الوزراء في هذا الموضوع واخطاره من النواحي التربوية والصحية وغيرها، وهناك لجنة لمكافحة المخدرات بدأت تأخذ دورها، وسيكون هناك حملة لتوعية الناس على خطورة هذا الموضوع، والدولة لها دور في ذلك بطبيعة الحال... انتم أيها الشباب يجب ان تساعدونا في هذا الامر والدور الاساسي لكم، ونعد بخطوات قريبة نستطيع من خلالها البدء بتوعية الناس، وهناك خطة اجتماعية وصحية لهذا الموضوع".

وبعدها روت إحدى الفتيات المشاركات في الجلسة قصة تؤكد هذا الإنتشار الخطير، وإستعرضت شابة قائلة اسمحوا لي أن أنقل لكم حالة عايشتها خارج البرلمان، على ارض الواقع اللبناني وفي مدينة تعتبر "محافظة"، حيث استقللت في يوم عمل سيارة أجرة، فصعد الى جانبي تلميذ يرتدي شيئاً يشبه الزي المدرسي مع تعديلات فيها القليل من الصرعة، فسألته: «نسيك الباص»، أجابني باستخفاف: "ما بطلع بالباص... ضجة وولاد صغار، التاكسي اكلس" نظرت الى يده اليمنى التي يخرجها من نافذة السيارة فإذا به يحمل سيجارة ويتقن سحبها، فهو بلغة مراهقينا «حرّيف»، سألته «تروّقت»؟ أجابني «شربت كولا»، سألته: «بأي صف أنت؟» فأجابني: «بالسادس أففففففف» وأطلق دخان فطوره الصباحي المغذّي من أنفه متأففاً من أسئلتي ومن الصف السادس معاً.
هذه القصة ليست سوى نوزج صغير عن الإنحراف الذي يشهده مجتمعنا وإن أردنا إصلاح المجتمع وتغييره نحو الأفضل فالمفتاح بين أيدينا: "أطفالنا"، هم الورقة الوحيدة الرابحة بين أيدينا، فلنحمها كما نحمي دولاراتنا في محفظة واقية ثمّ لنستثمرها خير استثمار...

من هنا أهميّة المراقبة والمتابعة والرقابة أيضاً والدور المهم الذي تلعبه إدرات المدارس والمعاهد والجامعات من خلال حملات التوعيّة والتثقيف المستمر وأهميّة تواجد المرشد(ة) الإجتماعي(ة). وضرورة إتخاذ التدابير القانونيّة الحازمة إبتداءً من المنع القاطع لزراعة هذه المواد والحدّ من تجارتها...
فتلف المواسم بدون أي بديل للمزارعين، وإنشاء مراكز التأهيل دون حملات التوعيّة الازمة سيقدون المجتمع نحو إنهيار كبير... فلتستفيق ضمائر أصحاب السلطة لمنع لبنان من الإنهيار.