تحدد القوانين في كافة المجتمعات حقوق الافراد فتنظمها بحيث تشمل كافة المجالات والنشاطات الإنسانية. ولكن مجرد تنظيم هذه الحقوق يبقى نظرياً ان لم يجد المشترع القواعد القانونية التي تضمن هذه الحقوق، وتؤدي الى حمايتها وصيانتها وضمان فاعليتها.
توضع القوانين من قبل السلطة التشريعية المتمثلة في المجلس النيابي، ولكن هل يكفي اصدار القانون ونشريه في الجريدة الرسمية؟
في لبنان العديد من القوانين التي أقرّت ولم توضع قيد التنفيذ حتى يومنا هذا، على سبيل المثال لا الحصر، لقد صدر عام 1964، القانون رقم 17315، معطوفاً على القانون رقم 15702، يضع السجون في عهدة وزارة العدل، بدلاً من وزارة الداخلية، وبقي هذا القانون في سجل المحفوظات. كما اصدر المشترع اللبناني، القانون رقم 463، تاريخ 17/09/2002، المعروف بقانون تنفيذ العقوبات، والذي ينص على تخفيض عقوبات الحسني السيرة، من خلال محكمة مختصة بذلك، على ان تحدد الية تنفيذ التخفيض بمرسوم تطبيقي، وذلك بمهلة ثلاثة اشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون. ونام هذا التشريع كسابقه سنوات عدة، الى ان صدر المرسوم التطبيقي، بتاريخ 06/05/2006، وحتى تاريخه لم توجد الهيكلية البشرية، لوضعه موضع التطبيق، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى، جدل هائل في لبنان حول قرار منع التدخين في الأماكن العامة وصل إلى حد رفعه إلى مستوى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال سليمان.
كان المفروض تطبيق المرحلة الأولى من القانون في 4 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وكان المفروض أن تبدأ المرحلة الثانية في مارس (آذار) الماضي ولكن مقاومة الرأي العام وأصحاب المصالح والمقاهي لهذا القرار أثارت معركة كبرى.
وتعتبر نقابة المطاعم في لبنان، إن تطبيق هذا القانون سوف يؤدي إلى إغلاق قرابة 40 في المائة من المقاهي والنوادي والمطاعم، وسوف يؤدي إلى إغلاق ألف مؤسسة سياحية تعتمد على تقديم النارجيلة، وسوف يؤدي إلى الاستغناء عن نحو عشرة آلاف عامل في هذا المجال.
وتصر المؤسسات الرسمية والصحية وهيئات من المجتمع المدني المضادة للتدخين والداعمة لفكرة إنقاذ غير المدخنين من ظاهرة «التدخين السلبي»، على تطبيق هذا القانون بحزم وفعالية وبشكل فوري.
والقصة تحمل وجهات نظر مختلفة ومضادة، ولكن الذي أتوقف أمامه هو مسألة ضرورة احترام وتطبيق القانون وإنفاذه في لبنان. فهل توضع القوانين لتحفظ في سجلات التشريع، ام لتطبق على ارض الواقع؟! سؤال نتركه برسم المشترع اللبناني الذي يغفل عن أعماله السياسيّة ويغرق في زواريب المصالح الشخصيّة الضيقة.