جولة عمل واستكشاف، هكذا كان من المخطط أن تكون. لكن الرحلة التي قمت بها إلى كندا كانت رحلة من العمر، وستكون من الرحلات النادرة التي اتواصل فيها مع جذوري إلى هذا الحد. نعم اتواصل فيها مع جذوري، من اقصى اميركا الشمالية هذه المرة وليس من قريتي التي احب في جبل الشوف.

400000 الف لبناني في كندا...
في كندا التي تحتضن حوالي 400000 لبناني ومتحدر من اصل لبناني في مدنها ومقاطعاتها، غالبيتهم من المسيحيين، واكثر من نصف عددهم من الموارنة، لبنان ثان... نعم عدد يتزايد ليقترب من نصف مليون لبناني، تماما كما هناك لبنان ثالث ورابع وخامس وعاشر، في الولايات المتحدة والبرازيل واستراليا واوروبا والمكسيك واميركا اللاتينية وافريقيا والخليج العربي. مونتريال وحدها، المدينة الاكبر في مقاطعة كيبيك الفرنسية، تحتضن 180000، بالاضافة إلى مدينة كيبيك، ويتواجد اللبنانيون ايضا في مختلف المقاطعات والمدن، ابرزها في القطب الاقتصادي للبلاد أي تورونتو في مقاطعة اونتاريو، واوتاوا عاصمة البلاد، وهاليفاكس والبيرتا وغيرها الكثير.

قصة التحديات والنجاحات
اللبنانيون متواجدون بفعالية ونجاح وتأثير باهر في مختلف الميادين، حتى السياسية منها. ولهم في كل مدينة شارع كبير ينتشرون فيه بشكل اساسي، أو منطقة تتوسع شيئا فشيئا من حيث المساحة والاهمبة، وصولا إلى امكانية التوسع والانتشار في اكثر من منطقة كما هو الحال في مونتريال حيث يتواجد اللبنانيين بشكل اساسي في سان لوران والاكادي، وفي جزيرة لافال خارج المدينة. وعلى الصعيد الاجتماعي، وبالرغم من تغلغلهم في المجتمع الكندي واندماجهم فيه وتحقيقهم للنجاحات الباهرة، فهم لا يزالون على تواصل كبير فيما بينهم، فتنتشر الرعايا والابرشيات على اختلافها، كما تتنوع دور العبادة الاسلامية. وهنا لا بد ان اذكر الرعايا المارونية في مونتريال، منها دير القديس انطونيوس الكبير، وكاتدرائية مار مارون، وكنيسة مار يوسف في لافال، بالاضافة إلى رعية رابعة لم اتمكن من زيارتها. كما تشمخ الكاتدرائية الجديدة للروم الملكيين الكاثوليك في وسط شارع الاكادي، وكاتدرائية الروم الارثوذكس، وينتشر اللبنانيون بكنائسهم ودور عبادتهم ومراكز خدماتهم، من سريان، وارمن، وسنة وشيعة ودروز.
تزخر المدن الكندية بالمؤسسات الكبرى التي يمتلكها اللبنانيون، فتشتهر شركاتهم، من الافران الكبرى والمخابز، إلى المؤسسات الخدماتية، والشحن، والنقل، إلى مختلف انواع الصناعية، وصولا إلى المطاعم المشهورة على اختلافها والتي لن انسى ابرزها في مونريال، "لورديا" الشهير، ملتقى الجالية والمكان الاعز على قلوبهم.
أما لقصة المغتربين اللبنانيين، فألف رواية ورواية عن ارض استضافت من ترك بلاده سعيا وراء الحرية المفقودة أو الكرامة المنتهكة أو الاحلام المنشودة، فكان التعب والكد والصعوبات والتحديات العظيمة، ولكن من بعدها جاء الانتصار والتميز وانتصار مجتمع على اوجاعه والامه.
للصحافة اللبنانية تواجد مميز، حيث تنتشر الصحف اللبنانية الخاصة بالجالية، ويتابع اللبنانيون اخبار لبنان لحظة بلحظة، حيث الشعبية كبيرة وبارزة لموقع القوات اللبنانية الاكتروني بشكل لافت وكبير. تلفزيونيا،
MTVاولى من دون اي منازع، برامجها متابعة من مختلف الاعمار، وهي حاضرة ومنتشرة في كل مكان، ومن جهة اخرى تتحسّر على الحالة التي وصلت اليها المؤسسة اللبنانية للارسال بعد سنوات النجاح الباهرة، مع امل كبير بعودتها إلى حضن الحقيقة والحرية في القريب العاجل. أما الراديو فهو الاخر حافظ على مكانته، حيث يستمع اللبنانيون إلى راديو كندا وصوت الرب، ويتابعون برامج لبنان الحر لحظة بلحظة عبر موقعها على الانترنت.
كندا وجهة للاغتراب... والسياحة
في مونتريال، كما في تورونتو وسائر المدن، مراكز تسوق كبرى، ومواقع سياحية رائعة، منها وسط المدينة وشارع سانت كاترين في مونتريال، بالاضافة إلى المدينة القديمة ومرفأها والسيرك العالمي "
Cirque du soleil" والكازينو، والحدائق والمنتزهات والشوارع السياحية، وصولا إلى الكنائس والكاتدرائيات الرائعة، منها
Oratoire Saint Joseph، كاتدرائية سيدة العالم في وسط المدينة، بازيليك السيدة العذراء الشهير في المدينة القديمة، غابة مار شربل وغيرها الكثير. ولعل اللبنانيون هم اكثر من يدفع الكنديين للعودة إلى جذورهم المسيحية التي تلاشت من خلال الحركة التي يقومون بها في كنائسهم وانشطتهم الدينية المميزة التي تجذب الكنديين في كل مكان.
وهنا لا بد من ذكر اهمية الفرد في كندا حيث صادفة في اكثر من يوم التظاهرات الطالبية الحاشدة التي زادت في احدة المرات عن 300000 طالب من اجل تحقيق مطالبهم العادلة، والتي أن متأكد من انهم سيتمكنون من تحقيقها مع دولتهم، على أمل أن تنتقل العدوى إلى لبنان.
أما في تورونتو، فوسط المدينة يشبه إلى حد كبير مدينة نيويورك الاميركية، من حيث ساحاته وابراجه الشاهقة، يتوسطه برج
CN TOWERالشهير، والمنطقة القديمة أو
Queenحيث تتواجد كنيسة سيدة لبنان المارونية، كما يطل على الجزر الفاخرة حيث القصور والبيوت الفخمة، ومطار مميز لا يمكن الوصول البه إلا من خلال القوارب والسفن. كما تقع تورونتو على مسافة ساعتين في السيارة من شلالات نايغرا الضخمة التي يفصل نهرها العظيم بين الولايات المتحدة الاميركية وكندا، وحيث يتواجد موقعين للشلالات، اولى هي الاكبر، كندية، وثانية اميركية اقل منها من حيث العظمة والحجم، هناك يمكنكم النزول إلى اسفل الشلالات من خلال نفق، أو مراقبتها من الاعلى، أو القيام بجولة فوقها في مروحية، او الاقتراب منها من خلال السفينة.
المجتمع الاهلي اللبناني في كندا
للبنانيين نصب يمثلهم في الحديقة العامة في شارع الاكادي، صممه ونفذه نخبة من المهندسين اللبنانيين والكنديين وشاركت الدولة الكندية في ازاحة الستارة عنه. وسجّل النصب كأحد انجازات الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وجمعية
Sons of Lebanonالتي تنشط في التواصل بشكل حيوي، شبابي وفاعل بين شباب الجالية من جهة ومحيطهم الكندي من جهة اخرى.
من جهة اخرى، تنشط المؤسسة اللبنانية المسيحية المارونية للانتشار، للتواصل مع اللبنانيين اينما حلوا في كندا، لتحفيزهم على تسجيل زيجاتهم واولادهم في المؤسسات الرسمية اللبنانية، كما تحثهم من خلال مختلف انواع الانشطة والاحتفالات على التمسك بهويتهم وارضهم في لبنان، وادراك اهمية الحفاظ على ارثهم اللبناني وارتباطهم الوثيق الفاعل به.
كما تنشط احدى المبادرات الشبابية، وتسمى
Liban 2013، في التنسيق والتواصل مع مختلف الافرقاء والاحزاب والمجموعات لحثهم على التسجيل للمشاركة من كندا في انتخابات 2013، وتوعيتهم لادراك اهمية مشاركتهم في صنع قرارات بلادهم حيث هم يتواجدون، كما العمل على مطالبة الدولة باقرار قانون عادل للانتخابات يضمن للمغتربين حقهم في التصويت حيثما وجدوا، بدل أن يكونوا مجرد اداة لتمويل الداخل، فيما هم منسيين من الاجهزة الرسمية منذ سنوات طويلة.
من ناحية الاحزاب، تتواجد وبقوة ولا تغيب السياسة عن اي اجتماع أو مناسبة يجتمع فيها ابناء وطن الارز. التيار العوني شبه غائب، حزب الله حاضر في الاوساط الشيعية مع تسجيل انتشار كبير للمستقلين في صفوف ابناء هذه الطائفة الكريمة، تيار المستقل حاضر بقوة، كما الكتائب، مع تسجيل حضور للاحرار.
القوات في كندا: الاضخم والاكثر تنظيما وانتشارا
أما الوجود الاضخم والابرز من دون اي منازع فهو للقوات اللبنانية، التي تضج الكنائس والصالات والمطاعم والمناسبات والاحفالات بشبابها وشاباتها، ورجالها ونساءها. وجود ضخم يعول عليه الجميع في كل نشاط ينوي أي طرف تنظيمه، ولعل ترقبّ المزاج القواتي للبناء على مدى نجاح الاستقبالات الشعبية للبطريرك الراعي في زيارته لكندا خلال الاسبوع المقبل احد ابرز الامثلة على اهمية هذا الوجود وضخامته.
هنا لا بد أن اذكر العشاء السنوي للقوات اللبنانية في مونتريال، والذي حضرة اكثر من 750 شخص، يوم الجمعة الماضي في 27 نيسان. أما اكاديمية العودة إلى الجذور، فتتحضر لاطلاق مخيمها الثالث لهذا الصيف،
“Back to Roots III”. الاكاديمية التي تقوم منذ ثلاث سنوات بتعريف مجموعة من الشابات والشباب المتحدرين من اصل لبناني، ممن لم يزوروا لبنان طوال حياتهم، على وطنهم الام، في رحلة تمتد لشهر إلى وطن الارز، يتعرفون فيها على لبنان، بتاريخه وتراثه، نظام حكمه ومؤسساته، مشاكله السياسية والاقتصادية، سياحته وحياته الليلية، معالمه الدينية ومراجعه الكبرى، اضافة إلى القوات اللبنانية، الحزب، اللبناني، الديمقراطي، الحر، الشاب.

هذه كانت جولتي، ورحلة العمر التي قمت بها إلى كندا والتي سأقوم بتدوين ذكرياتها الجميلة، منها ما هو شخصي، حيث كانت لي فرصة استكشاف بلد جميل ومضياف ومنظم ويحفظ كرامة الانسان وحريته، واشخاص واصدقاء جدد اعتقد انهم سيتحولون إلى اصدقاء مقربين واحباء دائمين. كما ساحتفظ لنفسي بذكريات عامة شاركتكم بها في هذه السطور عن لبنان في كندا، التحديات والمصاعب، الغربة والحنين الدائم، الوطن الجديد، النجاح والتميز، والقوات اللبنانية، الحزب الشاب، الذي يعشقه معظم اللبنانيين الكنديين كما اكتشفت، تماما كما عشقهم للحرية والسيادة والاستقلال، والدولة القوية المنتظرة، المنتصرة على الحروب وارهاب السلاح، والكاذبين والحاقدين.
القوات اللبنانية، في كندا كما في لبنان، استحقت بكل جدارة وبالرغم من كل المصاعب والحملات والتحديات أن تكون الاولى في عقول اللبنانيين وضمائرهم.
لكم با لبنانيي كندا، ارفع كأس الحب، والشكر العميق، على أمل اللقاء القريب...