وعند الثالثة من بعد ظهر السبت، خرج رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال سليمان من القصر الجمهوري في بعبدا خاتماً بذلك عهداً ذهبياً، ولكن دون أن يسلم البلاد إلى خلفه كما تنص القوانين...
خرج الرئيس من القصر، وإنهطلت ردّات فعل اللبنانيين الذين إنقسموا بين مؤيد لنهج سليمان وعهده، وبين مَن لم تتلاقَ مصلحته مع العهد، فصبّ غضبه ونقمته عليه، مترجماً بذلك عقليّته الرجعيّةً الخشبيّة في التعاطي التي لطالما واجهتاها وإعتدنا عليها.
إتسم الرئيس سليمان في الآونة الأخيرة بقوّة وصلابة وعزم في التعاطي مع الملفات اللبنانيّة الداخليّة والخارجيّة التي كانت الطبق الدسم ولا تزال في السياسة اللبنانيّة. فكان الدستور والقوانين و"الشرعيّة" مرجعيته الوحيدة، غير آبهٍ لكلّ حملات الإهانة التي طاولته. والملفت أن سليمان، عرف وأتقن كفيّة إستعماله صلحياته الدستوريّة، مبرهناً أن منصب رئيس الجمهوريّة مازال رأس الهرم ويتمتع بأقوى الصلاحيات، ولكن العبرة تكمن بشخص الرئيس وضميره وسياسته: فمن أتى من أجل تمرير سياسة حزب البعث والنظام الأسدي، من البديهي أن لا يعرف كيفيّة ممارسة صلاحياته الدستوريّة، فيلهو بالسباحة حيناً، أو بتطبيق تعليمات الأسد حيناً آخر... فهل توضحت صورة الحملات ضدّ سليمان؟!
وكما بدا ظاهراً وواضحاً في الأونة الأخيرة... وقعناً في الفراغ من جديد في رأس الهرم لأسباب عديدة، أهمها النظريّة البرتقاليّة الجديدة القديمة: "عون أو لا أحد"، إيضافةً إلى تعطيل المنصب الرئاسي الأول في الدولة اللبنانيّة، الذي أربك حزب الله وأتباعه، ووفق بوجه سياسته المناهضة للدولة وسيادتها... فقد أرسى فريق الثامن من آذار أسساً جديدةً على الديمقراطيّة، حيث أصبح التعطيل والشلل حقّ مشروع، ونحن قلناها علناً ونكررها من جديد: "تعطيل النصاب... نصب". فقد كانت الفرصة أمامنا سانحة وطريقنا سالكة نحو إنتخاب لبناني بإمتياز دون أي تدخل مخبراتي خارجي في هذا الإستحقاق المهم.
لكن على ما يبدو، ما زال الضوء الأخضر لإنطلاق عجلة الدولة السيدة، الحرّة والمستقلة لم يعطى بعد!!! نلغي بكل بساطة مواقفنا ومبادئنا ونبيعها بأرخص ثمن من أجل شراء كرسي بعبدا: فيصبح الإبراء المستحيل... معقولاً، وتتحول الـ"one way ticket" إلى مثلث قويّ الأضلع، وفي النهايّة بعد أن كانوا سلفيين وتكفيريين يمولون أحداث طرابلس وعبرا أصبح: "ما في نوا إلاّ سوى".
كفوّا عن المزايدات الرخيصة وعن سياستكم العوجاء التي لا تضع نصب أعينها سوى حفنةً من المناصب، ضاربين عرض الحائط مشروع بناء الدولة وقيامها. نقولها من جديد: قدمت القوات اللبنانيّة و14 آذار مرشحها لموقع الرئاسة الأولى، الدكتور سمير جعجع الذي طرح بدوره مشروعاُ كاملاً متكاملاً نحو الجمهوريّة القويّة...
هذه هي الديمقراطيّة الحقيقيّة، وهكذا تكون الخطوة الأولى نحو تثبيت ركائز الدولة السيدة، حيث السيادة لا تُنْتَقَصْ! ويبقى في الأخير الحكم للشعب، والحساب الأكبر لضمير الزمن.