العاملات في المنازل...بين تطبيق القانون والإستعباد
تحقيق SEP 11, 2012
العاملات الأجنبيات في لبنان هم الفئة الأكثر تهميشاً إذ إن الإجراءات القانونية التي تنظم وجودهم على الأراضي اللبنانية أي نظام الكفالة هو نظام رديف للعبودية، واليوم ونظراً لغياب الحماية القانونية للعاملات في المنازل تتعرض بعضهن للتعنيف ولسوء المعاملة من قبل أرباب العمل ومكاتب الاستخدام.

فمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أصدرت في أيلول 2010، تقريرًا تناول 114 حكمًا قضائيًا لبنانيًا كانت فيه عاملات المنازل إما مدّعيات أو مدّعى عليهن، وأجرت من ضمنه مقابلات مع عاملات أبلغن عن تعرّضهن لإساءة المعاملة، ومع محامين توكلوا في قضاياهن بانتظام. وقد جاء في التقرير أن النظام القضائي اللبناني «فشل في حماية حقوق عاملات المنازل المهاجرات».

وأضاف التقرير: "يأتي في قلب الفشل القضائي في حماية عاملات المنازل المهاجرات نظام الكفيل، الذي يربط العاملة المهاجرة برب عملها، حيث تفقد العاملات وضعهن القانوني إذا فسخ كفيلهن العقد المبرم بينهما، أو في حال قررن ترك أرباب عملهن (حتى لو كان لديهن أسباب مشروعة للاستقالة، مثل عدم تلقي الأجور أو إساءة المعاملة). وبالتالي فإن أية عاملة تترك ربّ عملها وتقدم شكوى ضده تفقد الحق في العمل، وتواجه إحتمال الاعتقال والترحيل، حتى في حال تقديمهن الشكاوى، كثيراً ما تواجه العاملات تقاعسًا من جانب الشرطة والسلطات القضائية، التي فشلت في معالجة بعض الادعاءات باعتبارها جرائـم محتملـة، أو تناولت بعض الشكاوى بلامبـالاة، أو حتى تجاهلتها كليًا".
 

وفي مثـال على ذلك، قالت عاملة كينية للشرطة أن ربة عملها كانت تحبسها في المنزل عندما تغـادر، واعترفـت ربة العمل بالقيـام بذلـك في إفادتـهـا أمام الشرطـة. ومع ذلك، بدلاً من توجـيه الاتهام بجريمة «حجز الحرية» (المادة 569 من قانون العقوبات اللبناني)، طلب المدعي العام إلى الشرطة ببساطة الحصول على تعهد من قبل ربة العمل بإنجاز جميع المعاملات الرسمية الخاصة بالخادمة، ودفع راتبها، وعدم القيام بعمل انتقامي ضدها.
حتى العنف بحق العاملات - بما في ذلك الضرب والصفع واللكم - كثيراً ما يفشل في كسب اهتمام الشرطة والمدّعين العامين، الذين لا يشرعون بملاحقة قضائية إلا في حالات العنف الجسدي الجسيم المدعوم بتقارير طبيّة شاملة.

وفي خطوة إيجابية لمواجهة هذه المشكلة، وقّع وزير العمل السابق بطرس حرب مشروع قانون العمل الخاص بالعاملين في الخدمة المنزلية وذلك في شباط 2011.

و يتألّف المشروع من ست وأربعين مادة، فهو يفرض إلزامية عقد العمل موقعًا من كاتب العدل ومترجمًا إلى لغات بلدان دول الرعايا، وتحديد فترة التجربة للعامل بثلاثة أشهر، ومنع المحكومين أو من ارتكبوا جرائم شائنة من استخدام عمال منزليين، بالإضافة إلى توافر الشروط الصحية والبيئية في مسكن العامل وتأمين إلزامي يتضمن طوارئ العمل والاستشفاء ونقل الجثمان في حال الوفاة. كما يحدد مشروع القانون مدة العمل الأسبوعية بستين ساعة وعشر ساعات يوميًا مع الحق براحة لتسع ساعات متواصلة، ما خلا الحالات الاستثنائية، ومنح العاملة راحة أسبوعية لا تقل عن أربع وعشرين ساعة متواصلة يمكن أن تقضيها خارج المنزل بالاتفاق مع صاحب العمل. على أن تعطى أيضًا الحق بإجازة سنوية مدفوعة لستة أيام متواصلة تحدد بالإتفاق.

ويؤكد داعمو المشروع أن هناك توازنا بين حقوق وواجبات العاملين في المنازل وأرباب العمل، لكن بالمقابل سجلت بعض الجمعيات المعنية اعتراضها قائلة بأن المشروع لا يفي بكل حقوق العمالة.

كما أن التعاون بين السلطات اللبنانية وسفارات الدول التي توفد العمالة المنزلية إلى لبنان، يعتبر واحدا من الضمانات التي ينص عليها مشروع قانون "تنظيم العمل اللائق للعاملين في الخدمة المنزلية".

ومشروع القانون هذا، يعد الأول من نوعه إذ أنّه يرسّخ التعامل الحضاري مع العاملين والعاملات بالتوازي مع احترام تقاليد المجتمع اللبناني،فقد تحدّد للعامل حقوقه وواجباته، ومُنِحَ إجازات سنوية، وإجازة أسبوعية، وتمّ وضع كل الضمانات المعقولة.

ويعطي القانون للمحاكم صلاحية البت في الخلافات التي تنشأ تحت رقابة وزارة العمل، التي أُعطيت صلاحيات للتدخل وإيجاد حلّ للمشاكل بالتعاون مع السفارات المعنية، والشرطة القضائية اللبنانية في حال الحاجة إلى ذلك.
 

فقد تمّ إنشاء جهازا في وزارة العمل اللبنانية هو جهاز المرشدات الاجتماعيات ولهن الحق في التحقيق في الحوادث التي تحصل،الى جانب هذا الجهاز تمّ إنشاء مكتبا لتلقي الشكاوى بكل اللغات، ووُضع عقد عمل موحّد باللغة العربية، واللغات التي يفهمها العاملون في المنازل، كما أن هناك دليلاً مترجماً إلى اربعة عشر لغة يرشد العامل لدى وصوله الى لبنان، ويشمل ايضا معلومات عن مكاتب الشكاوى وارقامها الهاتفية.

كما أن مشروع القانون يطلب أن تشترك السلطات الموجودة في الدول التي ترسل العمالة في تأكيد السلامة الجسدية والعقلية للعاملين، وإبلاغ تلك السلطات بمجيء العامل الى لبنان ونوع العمل الذي سيقوم به حتى لا يفاجأ بظروف العمل وكي لا تحصل له انهيارات عصبية او حالات انتحار ولكي لا يقوم العامل او العاملة بردات فعل كإرتكاب جرائم بحق أرباب عمل لبنانيين كما حصل في بعض الحالات، لذا فإن مشروع القانون يحفظ التوازن بين الحقوق والواجبات.

لكن بعض الجمعيات المعنية تقول ان المشروع لم يعط عاملات المنازل نفس المزايا التي يعطيها القانون لبقية العمال في لبنان،فمشروع القانون يمنح إجازة سنوية لستة أيام بينما يعطي قانون العمل اللبناني 15 يوما كإجازة سنوية للعاملين الآخرين، فكيف يمكن أن تذهب عاملة منزل لرؤية عائلتها في سيرلانكا أو الفيليبين خلال ستة أيام فقط؟
 

بانتظار إقرار القانون من قبل مجلس النواب، تتولى بعض المؤسسات الإنسانية، رعاية العاملات اللواتي يتعرضن للاستغلال حيث يؤمّن لهن الإستشارات القانونية المجانية والمساعدات الإجتماعية، إضافة إلى إيوائهن عند الحاجة لحين إيجاد مأوى.

ومن بين هذه المؤسّسات، مؤسّسة كاريتاس لبنان - مركز الأجانب التي وقّعت منذ كانون الثاني العام 2005 اتفاقًا مع جهاز الأمن العام يسمح لها باستضافة ضحايا «الإتجار بالبشر» من العاملات اللواتي يتعرضن لسوء المعاملة في ملجأ «بيت الأمان» (له فروع في مختلف المحافظات اللبنانية) حيث تقدم لهن المساعدات الطبية، والنفسية، والقانونية، والإجتماعية، من خلال متخصصين في هذه المسائل.

إن المؤسّسة تعمل لتحسين ظروف إستقدام العاملات، وقد وقّعت اتفاقية تعاون مع نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام، هدفها حماية حقوق العمال المهاجرين والعاملين في المنازل وتحديد واجبات كل من العامل ورب المنزل، وهنا يجب الإشارة الى المشكلة التي تعانيها العاملات مع مكاتب الإستخدام، فبعض هذه المكاتب مرخّص ويحترم الحقوق والواجبات، في حين أن القسم الأكبر غير مرخّص ويمارس عملية الإتجار بالبشر.


كما نشير الى أن عددًا كبيرًا من العاملات موجود في لبنان منذ سنوات ويُعاملن بطريقة لائقة ومحترمة، ولكن هناك فئة كبيرة تتعرّض لسوء المعاملة، أما في المقابل هناك فئة ثالثة تضم عاملات يظلمن أرباب العمل وليس العكس، فهؤلاء يوفدن إلى لبنان مع تحضير مسبق للهرب. وعندما تتم عملية الهرب تصبح أوضاعهن غير قانونية، ويتم إستغلالهن من قبل أشخاص يديرون «سوقًا» غير شرعية ويصبح وجودهن غير شرعي.

وفي الختام نتوجّه بنداء إنساني إلى أرباب العمل نطالبهم فيه أن يعاملوا عاملة المنزل كما يريدون أن يعاملهم الآخرون، فالإنسان هو إنسان إلى أي عرق أو طبقة انتمى، وحقوقه تبقى نفسها، وواجبنا الإنساني صيانتها تلقائيًا، بدلاً من أن يلزمنا القانون بذلك.
تحقيق SEP 11, 2012
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد