الجماعات الإسلامية: بين التطرف والإعتدال- الجزء الثاني
تحقيق FEB 05, 2014
تاريخ الدعوة الوهابية وحال المجتمع

إن الباعث الأول والأخير على قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته" السلفية الإصلاحية" هو: ما وصل إليه حال العالم الإسلامي في عصره من تدهور وانحطاط على كافة المستويات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية،  ومن هنا فإننا سنقتصر في حديثنا عن حال العالم الإسلامي في عصر الشيخ على هذين العاملين، مع الإشارة إلى أهم العوامل الأخرى، كما أننا سنركز الحديث بعد ذلك على إقليم نجد وحالته الدينية والسياسية قبل دعوة الشيخ فيه، ذلك الإقليم الذي منه نبعت الدعوة وفيه نشأ صاحبها وعاش.

الحالة السياسية: كانت تتزعم العالم الإسلامي في مشرقه أثناء القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) ثلاث دول عامة هامة هي:
  • الدولة العثمانية:  الدولة الصفوية في فارس، والدولة المغولية في الهند. التي وصلت إلى ذروة مجدها في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ونظر إليها المسلمون بإعجاب وتقدير حينما وسعت فتوحاتها إلى أوروبا لنشر الإسلام ولكنها أخذت بعد ذلك تنخر فيها عوامل الضعف شيئا فشيئا حتى وصلت في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) إلى حالة سيئة من الضعف والركود السياسيين.
  • الدولة الصفوية  في فارس: فهي التي أنشأها إسماعيل بن صفي الدين) سنة ٩٠٦ه ( ١٥٠٠ م) واتخذ من مدينة تبريز عاصمة له، وقد اتسعت دولته فامتدت من الخليج العربي إلى بحر قزوين، وكانت هذه الدولة شيعية ذات عداء مع الدولة العثمانية السنية، وانتهت هذه الدولة سنة ١١٣٥ ه ( ١٧٢٢ م) فخلفها أمراء من الأفغان حتى قضى عليهم نادر شاه) سنة ١١٤٢ ه ( ١٧٢٩ م فنادى بنفسه ملكا، ثم أخذ يوسع أملاكه حتى امتدت دولته من الخليج العربي إلى بلاد الهند. وقد اهتم نادر شاه بقيادة جيشه وتنظيمه على النظم الحديثة، واستعان بالإنكليز على ذلك، ويقال إن نادر شاه حاول المؤاخاة بين أهل السنة والشيعة، وكان ذلك سبب مقتله بتدبير بعض أئمة المذهب الشيعي في بلاده سنة ١١٦٠ه أي ١٧٤٧ م. وبمقتله اضطرب أمر بلاد فارس واستمر هذا الاضطراب حتى قيام الدولة القاجارية سنة ١٢٠٣ه أي ١٧٨٨ م.
  • الدولة المغولية في الهند: فقد أنشأها بابر شاه، من نسل تيمور لنك سنة ٩٠٩ ه وخلفه ملوك أقوياء حتى جاء القرن الثاني عشر الهجري فاضطرب أمرها وطمع فيها أمراء الهندوس بدعم من شركة الهند الشرقية الإنكليزية، فأنجدها نادر شاه) ملك فارس وعين (محمد شاه ملكا على الهند تحت حمايته، وكان الأخير ضعيفا فاسقا، وخلفه ملوك أشد ضعفا، مما جعل البلاد مرتعا للحروب الداخلية، فانقسمت إلى ولايات مما سهل على شركة الهند الشرقية الإنكليزية الاستيلاء عليها ولاية بعد ولاية، ولم تلبث أن انتقلت سيادة هذه الولايات إلى الحكومة الإنكليزية سنة ١٢٧٤ ه  أي ١٨٥٦ م.
 

 
أما حال المسلمين على حدود العالم الإسلامي فلم تكن بأحسن من داخله، فقد تعرضت الإمارات الإسلامية على حدود روسيا القيصرية للضغط الحربي من جانب روسيا وخاصة إمارة التركستان الشرقية، حتى اضطر المسلمون هناك إلى قبول السيادة الروسية عليهم وذلك سنة ( ١١٤٤ ه) ١٧٣١ م.

الحالة الدينية: لعل من أهم المصادر التي تعطينا تصويرا شاملا عن الحياة الدينية في بلاد نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي مؤلفات علماء ومؤرخي الدعوة السلفية وأتباعها وعلى رأسهم عمدتا مؤرخي نجد الشيخ حسين بن غنام، وعثمان بن بشر. وقد يجد الباحث في هذا الصدد بعض التناقضات في تصوير الحالة الدينية في نجد خاصة في كتب المؤرخين المحدثين، وبعض هؤلاء يبالغ في تصوير الحالة السيئة في بلاد نجد في تلك الفترة مبالغة كبيرة حتى إن الرحالة (بلجريف) قال عن أهل نجد في ذلك الزمن: "أهملوا القرآن وما عادوا يعرفون في أي جهة تقع القبلة وتناسوا الزكاة والصيام والحج والبعض الآخر يغالط الحقيقة فيصف بلاد نجد في تلك الفترة بأنها، أنقى بلدان العالم الإسلامي إسلاما وأطهر الأقطار دينا ". كما وصفها لوثروب ستودارد.

وبالرجوع إلى المصادر الموثوقة التي عالجت تاريخ تلك الفترة من بلاد نجد نرى أن كِلا من هذين الوصفين قد جانب الصواب، حقيقة أن بلاد نجد لم تكن أسعد حظا من باقي أقطار العالم الإسلامي، فقد جرفها تيار الانحراف عن الدين الإسلامي الصحيح من شرك وبدع وخرافات كالدعاء والنذر والذبح وصرف أنواع العبادات الأخرى لغير الله - لكنها لم تصل في انحرافها أن تناسى أهلها شعائر الإسلام من صلاة وزكاة وصيام وحج، وخاصة أهل الحاضرة.

عندما قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته في بلاد نجد كان الخلاف بين الشيخ وبين مخالفيه على أساس التوحيد، أما بقية أعمال الإسلام فإنه لم يعارضه أحد بشأتها، رغم التعدد الموجود بين علماء نجد، بعضهم تلقى العلم في مصر والشام وغيرها، وكان هؤلاء العلماء على المذهب الحنبلي حيث كان مذهب الإمام أحمد بن حنبل هو المتبع في تلك العهود، وكان انتشاره في نجد قبل بداية القرن العاشر الهجري، وهناك عدد قليل من العلماء على المذهب الشافعي والحنفي.
 


إنتشار الدعوة وتأثيرها في  الإسلام

تطلب نشر الدعوة والدفاع عنها، سلسلة من المعارك التي بدأت من العام 1159 ه حتى وفات الشيخ محمد عبد الوهاب عام 1206 ه (1791 م). عمّت تلك المعارك أرجاء شبه الجزيرة العربية بالكامل، فالوهابية بنظر ناشريها صراع بين الحق والباطل والدعوة حق. وقد قامت أول دولة إسلامية، وحدت أركانها المختلفة تحت لواء "الدعوة الوهابية"، إمتدت من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، ومن الشام حتى اليمن هي "الدولة السعودية الأولى". وإثر تهاوي النفوذ العثماني، تمّت الإستعانة "بمصر محمد علي" الذي أرسل عدة حملات عسكرية بقيادة نجله "إبراهيم باشا" عام 1231 ه (1816 م)، وقضي الأمر فسلم عبد الله بن سعود نفسه إلى إبراهيم باشا عام 1233 ه (1818 م). مع سقوط "الدولة السعودية الأولى"، تكونت في نجد نواة "الدولة السعودية الثانية"، في ظل أفكار الدعوة السلفية الإصلاحية ومجتمع موال ٍ لهم أعلن "آل سعود" قيامها عام 1238 ه (1832 م). وقد إنهارت الدولة السعودية الثانية، بعد معارك مع "آل رشيد" عام 1309 ه (1891 م)، حتى تمّت العودة من الكويت، مع "الملك عبد العزيز آل سعود" مؤسس "الدولة السعودية الثالثة"، إلى مسقط رأسه الرياض. وتتألف من مناطق: نجد، الإحساء، الحجاز، وعسير تمّت السيطرة عليها على مراحل. وقد توحدت بمرسوم ملكي، في 18 أيلول 1932 ، تحت إسم: " المملكة العربية السعودية ". (بتصرف).
 


المملكة ومكافحة الإرهاب

مما لا شك فيه، أن السعودية خاضت حربا ً ضروس مع الإرهاب وبشكل ٍ متواصل. لم تقتصر تلك المكافحة على تشديد الإجراءات الأمنية فحسب، بل تعدتها لحد محاربة الفكر المتطرف عبر تنظيم محاضرات وندوات فكرية.  ذلك التطرف الذي يستهدف فئة الشباب فإتبعت المملكة، إستراتجية عمل متكاملة تحقق الإندماج الكامل للإصلاح داخل المجتمع السعودي. وفي أيلول 2012 ، تمّ إنشاء "المركز الدولي لمكافحة الإرهاب" التابع للأمم المتحدة بمبادرة "الملك عبد لله بن عبد العزيز"، لتعزيز رؤية المملكة لأهمية التعاون والتنسيق على المستوى الدولي لمقارعة الإرهاب والتطرف. كذلك العام الماضي تبرعت الدولة السعودية بمبلغ قدره مائة مليون دولار لدعم المركز وتطوير نشاطاته. كما ساهمت الرياض في إحباط العديد من المخططات الإرهابية حول العالم من خلال تبادل المعلومات عنها بسرعة. وعلى الرغم من أن الجماعات الإسلامية المتطرفة، تتغلغل حيث بؤر التوتر والمشاكل السياسية إلا أن المملكة العربية السعودية تسعى بكامل قواها للتصدي للتطرف عبر دعم الإعتدال السنّي في كافة بقاع الأرض خاصة في لبنان. (بتصرف).
 


لبنان والعروبة السُنة تطرف ٌ مع الكيان

عودة بالزمن إلى أيام خلت من التاريخ العربّي وللقومية العربية، أيام جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي في مصر بشكل ٍ خاص والإقليم العربّي بشكل عام، يوم كانت العروبة وتيارها في العصر الذهبّي. فقبل وصوله للسلطة بعيد ثورة الضباط الأحرار عام 1952، حظي عبد الناصر دعما ً مطلقا ً من "جماعة الإخوان المسلمين المصرية". لكن بعدها حاول الإخوان تنفيذ إنقلاب للإمساك بالسلطة، فأصدر الرئيس المصري فورا ً قانونا ًيحظر الجماعة ونشاطها على الأراضي المصرية. أما في لبنان فكان التيّار الناصري جارفا ً، متأثرا ً بمصر عبد الناصر ومدغدغا ً شعور الوحدة مع سوريا عند فريق ٍ واسع من اللبنانيين، بعد إنشاء الدولة العربية المتحدة بين مصر وسوريا. وجاء مشهد الصراع الدولي المحتدم بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي ليزيد الشرخ بين اللبنانيين المنقسمين بين موال ٍ لعبد الناصر والوحدة العربية برؤية فئة، وفئة أخرى داعمة "لحلف بغداد". ما أشعل فتيل ثورة 1958 . بعد الثورة، إنتخب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسا ً، وبهده الرئيس شارل الحلو. عام 1969، وقع لبنان "إتقاق القاهرة" الذي أعطى الفلسطينيين حق الكفاح المسلح، وجرف أهل السُنة معهم من جديد. إندلعت الحرب، وإنتهت عام 1990 "بإتفاق الطائف". فشكل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتيار المستقبل ظاهرة إعتدال ٍ سنّي وتطرف جديدة، مع نهائية الكيان اللبناني. وطناً لكافة أبناءه، مسلميين ومسيحيّين بعد ميثاق 1943 مع الرئيس الشهيد رياض الصلح. ويعالج الدكتور نبيل خليفة هذا الموضوع قائلا ً:" كان لبنان الكيان، همّا ً مقيما ً في وعي ولا وعي المسيحيّين، ومع إستشهاد رياض الصلح ثم رفيق الحريري إنتقل إلى همّ مقيم في وعي ولا وعي أهل السُنة أيضا ً... فلبنان 2005 ليس لبنان 1951 . وفي الحالتيين نحن أمام رهانيين وجوديّين مفصليّين في تاريخ لبنان المعاصر: الأول فتح الآفاق على العالم العربي، بلبنان الإستقلال الأول عن الشرق والغرب والثاني جدده وتعدّاه إلى آفاق العالم الأوسع بمشروع لبنان السيادة والريادة والإستقلال الثاني والعروبة الجديدة".

 


بعد أن عرضنا في جزئيين: نشأة الدّين الإسلامي، مذاهبه، نشأة جبهة النصرّة لأهل الشام، إنشقاق الدولة الإسلامية في العراق والشام، (داعش) وتطرقنا للدعوة الوهابية الإصلاحية وتأثيرها في الإسلام، تأسيس المملكة العربية السعودية ودورها في مكافحة الإرهاب على أرضها وخارج حدودها وتجلى ذلك أخيرا ً بالهبة المقدمة للجيش اللبناني. خصوصا ً بعد تدخل حزب الله في سوريا وإعلان جبهة النصرّة إفتتاح فرع لها في لبنان، وظهور أبو سياف الأنصاري مبايعا ً داعش لبنان. يأتي جوابنا على الإشكالية التي طرحنها في الجزء الأول في ظل تنامي الجماعات الإسلامية المتطرفة لبنان إلى أين؟؟؟ التطرف يستجلب التطرف، فتعالي حزب الله على اللبنانيين الآخرين ولد "ظاهرة الأسيّر". وتطرفة الشيعي الإيراني بالدفاع عن نظام الأسد، جلب التكفير والتكفيريين إلى لبنان. أما نحن فأولاد إعتدال ٍ في كلّ الطوائف، ندعم مستقبل الإعتدال أين ما وجد، لأجل لبنان نهائي لجميع أبناءه.
 
تحقيق FEB 05, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد