التنجيم والتبصير، بين العلم والخزعبلات، التدجيل والضحك على عقول الناس
تحقيق JAN 02, 2013
مصطلح التنجيم في معناه الإتيمولوجي المنشق من اللاتينيّة OCCULTUS والإنجليزيّة OCCULT وهي تعني "السرّ أو المخفي". جميع هذه المصطلحات تشير إلى قدرة "معرفة الأسرار وخبايا الأمور" وغالبا "معرفة ما هو فوق الطبيعة" خلافاً للعادة وهي "معرفة الملحوظ أو المرئي". يستخدم مصطلح تنجيم أيضاً لبيان قدرة أشخاص معينين على كشف الأسرار والمعرفة الغيبية بالأمور هذه القدرة تلتبس عادة بين سحرة يمارسون طقوس السحر الأسود وبين أولياء وقديسين يكتسبون هذه الهبة بفضل إلهي عن طريق عبادة الله. من هنا تختلط هذه الأمور بالتنجيم والتدجيل أو بالأديان والصوفيّة أو حتى ببعض مدارس الفلسفة الروحية مثل الأفلاطونية المحدثة.
 

تعريف التنجيم

علم النجوم وله مرادفات أخرى منها: النجامة، التبريج، التفلك وأشهرها عند العرّب "الأحكام النجومية" ويعرف عند الغربيين بإسم "الأسطرولوجيا"، وهي كلمة مركبة من كلمتين: "أسطرون" وتعني النجم، و"لوجس" وتعني الخطاب، أي خطاب/حديث النجوم.

من يمتهن هذا العلم يعرف ب "المنجم" أو "الأحكامي". والأحكام النجومية هي صناعة الإخبار بالحوادث من النظر في الكواكب والحوادث العلوية. وكان العلماء لا يفرقون بين علم "الهيئة" و"الأحكام النجومية"، فكان العالم في حركات النجوم وعلاقاتها بعضها ببعض هو نفسه الذي ينبئ بالحوادث المقبلة من النظر لتلك الحركات، ولم يميز بين هذين العلمين إلا خلال القرن 18.

وكان حكماء العرّب يصنفون علم "الهيئة" أي "علم الفلك" في المرتبة الرابعة من العلوم العقلية وكان من فروعه الأزياج والأحكام النجومية. أما في يومنا هذا علم "التنجيم" علم مستقل بذاته وإن كان يعتمد على علم "الفلك" في حساب الهيئة الفلكية إلا أنه يصنف ضمن العلوم الروحانية وفنون العرافة.
 

تاريخ علم النجوم

علم النجوم، يعد من العلوم القديمة فقد عمل به الرومان والإغريق وقدماء المصريين في عهد الفراعنة، ومن قبلهم كانت طائفة الكهان عند البابليين والسومريين...

كانت مهمة هؤلاء تقتضي مراقبة النجوم وإخبار الملوك بكل ظاهرة غير عادية. وكان التنبؤ بالكسوفات والخسوفات كذلك ذا أهمية كبرى، وكان التنجيم في تلك الحقبة يسخر للملوك والكهان أساساً في إدارة الحكم... واستعمل هذا العلم بالخصوص لإدارة شؤون الحاضرة أي الدولة.
 

وخلدت لنا الحضارات القديمة العديد من الشواهد على هذا العلم:

الأنصاب الحجرية "ستونهينج" في "سهل ساليبوري" بإنجلترا التي تعد  نوعا من التقويمات تسجل فيها حركات فصول السنة.

أمريكا الجنوبية والوسطى: بلغت شعوب الأزتيك والمايا درجة عالية من الدقة في حساب سير الكواكب والنجوم، وكانوا يعتبرونه عملاً ضروريا لتحديد تواريخ الأعياد والمناسك الدينية، ورغم التخريب الذي ألحقهالمعمرون الأوروبيون بهذه الحضارات، بقيت بعض الآثار من علومها مسجلة في الحجر المعروف بأنصاب الزمن.

الصين: حيث يبدأ التقويم الصيني القديم في سنة 2637 ق.م، ولم يكن يتم الجزم في أمر من أمور البلاط الإمبراطوري إلا بعد استشارة النجوم.
والجدير بالذكر، أن حضارات المايا والأزتيك والصينيين استعملوا أحكاماً نجومية تختلف كثيراً في دلالاتها عن التنجيم الذي نعمل به والذي ترعرع في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

 


العرب وعلم التنجيم

لعب العرب دورا كبيرا في ازدهار علم التنجيم فهم من أحيى التراث التنجيمي اليوناني ومزجوه بتراث الحضارات الأخرى التي كانت تحت سيادة إمبراطوريتهم خصوصا التنجيم الفارسي والهندي، فظهر إلى الوجود الأحكام النجومية العربية، وذاع صيت المنجمين العرب وترجمت مصنفاتهم إلى اللغة اللاتينية وعمل بأحكامهم منجموا الغرب فترة طويلة..

من أشهر الأحكاميين العرب "أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي" المتوفى عام 886 م كأعظم علماء العرب في علم الأحكام النجومية وأشهر كتبه "المدخل إلى علم أحكام النجوم"، وبالمغرب الأقصى اشتهر "ابن البناء وابن قنفذ" وبالأندلس لا يزال ذكر "مسلمة المجريطي" كأحد كبار الحكماء وكتابه "غاية الحكيم في السحر" ويطبع ليومنا هذا باسم "بيكاتريكس".

علم التنجيم كما نعرفه اليوم نقل إلينا عن طريق اليونان الذين أخذوه عن المصريين القدماء والكلدانيين، وأشهر كتاب في علم التنجيم هو "التيترابيبلوس" الذي اشتهر عند العرب باسم "المقالات الأربع" للمؤلف "كلود بطليموس" وأصبح هذا الكتاب المرجع الرئيسي في أصول علم التنجيم عند المنجمين المعاصرين.

عرف علم التنجيم انتشارا كبيراً في العصور الوسطى لكنه تعرض للكسف ابتداءا من القرن 17، بعد إبعاده عن الجامعات وتصنيفه ضمن العلوم الروحانية وفنون العرافة، وظل منتشراً في العالم الإسلامي. وجاء عصر النهضة التنجيمية في أوروبا في نهاية القرن 19، تحت زخم "بول شوازنارد" في فرنسا و"فون كلوكلر" في ألمانيا، ومنذ ذلك الوقت مستمر هذا العلم في تطوره حتى يومنا هذا.

 

التنجيم اليوم

أما اليوم دخل هذا العلم في دوامة النفاق، وأصبح من غير المقبول إستغباء وإستسخاف عقول الناس بهذا الشكل من "المهنيّة" من التوقعات، والإنتشار الواسع للمدّعي التبريج والتبصير والضرب في رمل الغيب سواء من الرجال أو النساء، المشاهير منهم أو حديثي النعمة، الذين يتصدرون شاشات التلفزة في كلّ مناسبة خاصةً مع بدايّة كلّ عام جديد... فتطال "تواقعاتهم" ذاكرة المرء من خيالات وتهيؤات يرمونها في وجوه المشاهدين والمستمعين الذين استسلموا بأغلبيتهم الى قدرهم الموضوع تحت رحمة هؤلاء.

وأحياناً يستعملون أدوات حسابية أو فناجين، أو خرائط وورق لعب، الى ما هنالك من الوسائل، مقابل عبقرية آخرين لا يستعملون أي وسيلة مساعدة اطلاقاً.
 
علم التبريج

كلمة "تبريج" منشقه من كلمة "الأبراج" التي تعني "الكواكب" ومنذ قديم الزمن درس العلماء هذا العلم. علم التبريج كان في تلك الحقبه في أوج قوته حيث يعتقد العلماء أن هذه الكواكب الأثنى عشره وحسب دراستهم لها في كل شهر يقترب كوكب من الأرض حيث يوأثر على مواليد الشهر المحدد وذالك بنوع من العوامل ولإشاعات التي ربما لم نعرفها بعد وكل كوكب له تأثير معين على تركيبة البشر وقد تمّ تقسيم الأبراج الى أربع مجموعات:

-         ترابيه: العذراء؛ الجدي والثور
-         مائيه: العقرب؛ الحوتوالسرطان
-          ناريه:الأسد؛ الحمل والقوس
-         هوائيه: الميزان ؛ الدلو والجوزاء.

 


من الناحيّة العلميّة تمّ دراسة كلّ مجموعه ومعرفة طباعهم وطرق تفكيرهم... من خلال حركة الكواكب التي تؤثر على أطباع البشر حيث أن جسم الأنسان يتكون من60% من الماء فلاشك أن الأنسان يتأثر بعملية المد والجزر التي تحدث للقمر كل أربع وعشرون ساعة، كون جسمه يحتوى على المياه التى تتأثر بالجاذبية. فماذا عن تأثير بقية الأبراج التي لم نتوصل بعد الى معرفة نوع الأشعه التى تصدر منها ولأنوع جاذبيتها.

أما من الناحيّة الدينيّة، الدين يعتبر علم التبريج والتنجيم الذي يحاول كشف الغيبيات "حرام" فالله وحده يعلم الغيب، ويظهر ذلك جلياً في تعليم الكنيسة الذي جمع بين عهدي الكتاب المقدس وتعتبر الكنيسة أن "عندما يلجأ الإنسان إلى التنجيم فهو، لا إراديًّا، يعترف بأنّ للنجوم والكواكب سلطة على حياته، بما أنّها تسيّرها بحسب مساراتها واوضاعها الفلكيّة، وبالتالي فهو يعيد ممارسة وثنيّة، ألا وهي عبادة الكواكب والنجوم بطريقة غير مباشرة. وعندما يستعين بالعرافة ينكر أنّ لله سلطة على حياته أو، بتعبير آخر، يُلغي الله من حياته.

 

وإذا أردنا أن نستشهد بآيات تندد بممارسة التنجيم، من بداية العهد القديم، حتى سفر الرؤيا لضاقت هذه الصفحات، فلا عذر لنا بعد اليوم نحن الّذين عرفنا الإنجيل وأُبلغنا الرسالة السماويّة، فلنفرح على الدوام ولنصلِّ بلا انقطاع، لأنّ الله صادق يفي بمواعده، وسوف يُتمّ كلّ ما كلّمنا به.

والكنيسة تحظّر في تعاليمها من كلّ الممارسات الوثنيّة بما فيها التنجيم والعرافة، ففي كتاب التعليم المسيحيّ نجد:
-
 البند 2115: يستطيع الله أن يكشف المستقبل لأنبيائه أو لغيرهم من القدّيسين. إلا أنّ الموقف المسيحيّ الصحيح يقوم على تسليم الذات بثقةٍ بين يدي العناية الإلهيّة فيما يتعلّق بالمستقبل، وتركِ كلّ فضولٍ فاسدٍ من هذا القبيل.

- البند 2116: يجب نبذُ جميع أشكال العِرافة، فإنّ استشارة مُستطلعي الأبراج والمنجّين وقارئي الكفّ ... 
 
وفي الختام إنّ ممارسة التنجيم والعِرافة هي نقضٌ للعهد أو الميثاق الّذي أقامه الله مع الإنسان. هي انتقاص من حرّيّة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، الوكيل الّذي سلّطه الربّ على كلّ المخلوقات. كما حياتنا، فعلى ماذا يُحاسبنا الله؟ أيُحاسب أناسًا مُجبرين غير مخيّرين؟ ومَن نعبد؟ الله أم الأفلاك؟
تحقيق JAN 02, 2013
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد