التحرش الجنسي بالاطفال ظاهرة تبحث عن حلول
تحقيق JUL 22, 2014
التحرش الجنسي بالاطفال مصطلح يرمي بثقله على مسامع مجتمعاتنا العربية ذات الطبيعة المحافظة، يدفعهاللتعامل معها بإحدى طريقتين، التهويل أو التهوين.

وفي الحالتين تتعامل الأسرة بجهل تام مع الظاهرة ويفقد الآباء القدرة على تقديم النصح والإرشاد إلى الأبناء، أو حتى التعامل المفترض مع أي حادثة تحرش جنسي قد يتعرض لها أطفالهم. هو استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق. هذه الظاهرة الاجتماعية الدنيئة شكل من أشكال الإساءة للأطفال ان كان جسديا او نفسيا. له أثار مؤلمة على الجسد، أبرزها الكسور.

كما يحدث ضرراً على الوظائف السلوكية والوجدانية والذهنية والجسدية للطفل مثل الرفض وعدم قبول الفرد، التعرض للإهانة، التهديد، العزلة، البرود العاطفي، الصراخ وسلوكيات غير واضحة.

 


دراسات

من الدراسات التي اطلعنا عليها، دراسة قامت بها جمعية كفى لحماية الأطفال والنساء من العنف في لبنان حيث تمت مقابلة 1025 طفلاً لملء إستمارة ضمن عمليات مسح هدفت إلى جمع المعلومات حول خصائص الأطفال الاجتماعية والديمغرافية وتعرضهم للإساءة الجنسية (قبل حرب 2006، خلالها وبعدها) والعنف المنزلي . أقر 16.1% من الأطفال الذين شملهم المسح بأنهم قد تعرضوا للتحرش الجنسي. 12.5% كانوا ضحايا أفعل جنسية، في حين 8.7% قد تعرضوا لمحاولة الشروع في أفعال جنسية و4.9% قد ارغموا على مشاهدة أفلام إباحية. ولوحظ أن الاطفال الأكثر عرضةً  للإساءة الجنسية هم الأطفال الذين ينتمون إلى عائلة مفككة. أما حالات التحرش الجنسي التي تم التبليغ عنها لدى النساء فهي من 8% إلى 32% في عينات سكانية عامة، في حين أن معدلات هذه الحالات لدى الرجال تراوحت بين 1% و16%. وقد بلغت نسبة الإتصال مع الإيلاج لدى الذكور 3.6% و17.9% لدى الاناث. يقل شيوع الإساءة الجنسية للطفل لدى الذكور، إذ تصل نسبة الضحايا الإناث مقارنةً بالذكر إلى 1/12.

لا تقتصر الاساءة الجنسية للطفل على بيئات ثقافية أو إجتمعية أو إقتصادية معينة، وهي تقع في المناطق الريفية كما في الضواحي وفي أوسط مختلف المجموعات العرقية والإثنية والإجتماعية والإقتصادية... كما جاءت دراستين لتثبيت عدم وجود أي فرق في المستوى العلمي بين الضحايا. لقد اظهرت الدراسات أن الاطفال يكونون أكثر عرضةً بين عمر 8 و-12 سنة فمتوسط العمر عند الإساءة الأولى هو 9.9 سنوات للذكور و9.6 سنوات لإناث. كما اشارت التقارير أيضاً إلى حدوث الإساءة قبل عمر 8 سنوات في أكثر من 20% من الحالات وان 24% من الضحايا الإناث تعرضن للإساءة في المرة الأولى بعمر 5 سنوات أو أقل.
 


أما العوامل الأولى لزيادة خطر التعرض للإساءة الجنسية لدى الفتيات، هي قلة الأصدقاء، غياب أو عدم توفر الأهل، وجود زوج للأم، نزاعات بين الأبوين... ومن العوامل الأخرى: إعاقة جسدية أو عقلية، الانفصال عن كلا الأبوين الطبيعيين، مرض عقلي، إدمان على المخدرات أو الكحول في العائلة... لقد تناولت إحدى الدراسات 8 من هذه المؤشرات لتبيان الإرتباط ألقائم بين توفرها وتعرض الفتيات للإساءة الجنسيّة.

وبينت النتائج أن 68% من الفتيات اللواتي ذكرن وجود 3 مؤشرات قد سبق لهم التعرض للإساءة الجنسية و26% ذكرن مؤشرين و9% ذكرن مؤشر واحد و-6% لم يذكرن أي مؤشر. ووفق دراسة أخرى أن 78% من الأطفال الذين تعرضوا للإساءة الجنسية قد اجتمعت لديهم 3 عوامل من عوامل الخطر السابق ذكرها كحد أدنى.

غالباً ما تتم الإساءة للطفل على يد شخص يعرفه ويثق به، مع الإشارة لا أن الذكور أكثر عرضةً من الإناث  للإساءة خارج نطاق العائلة. بينت الدراسات أنه في حوالي 40% من حالات الإساءة الجنسية للطفل، يكون المتعدي فرداً من العائلة أو من المعارف في 75% من الحالات.

أما في أوسط التلاميذ في فلسطين، إن معدلات الإساءة الجنسية مشابهة لتلك الملاحظة في معظم المجتمعات الأخرى. فقد أشار المشاركون في البحث إلى أن فرداً من عائلتهم (8.6%) أو أحد اقربائهم (36.2%) أو شخصاً غريباً (45.6%) قد اساء اليهم جنسياً في مرحلة الطفولة المبكرة. 
 


القوانين والمجتمع المدني

إن المجلس الأعلى للطفولة التابع لوزارة الشؤون الإجتماعية، هو المرجعية الوطنية المعنية بمشاكل الأطفال وكل ما يتعلّق بحقوقهم. من هنا أنشأ المجلس آلية عمل في إطار مكافحة العنف ضد الأطفال، تمثّلت فيها كل الوزارات المعنية بحماية الطفل: العدل والتربية والداخلية (قوى الأمن)... هذا بالإضافة الى التعاون مع الجمعيات المدنية والمجتمع الأهلي فيتم العمل على هذا الموضوع عن طريق الوقاية والتدخل وإعادة التأهيل.

كما يعتبر قانون العقوبات اللبناني أن أفعال التحرش الجنسي بالأطفال وارتكاب الفحشاء أو الأفعال المنافية للحشمة ضدهم جرائم جزائية تستوجب الملاحقة والمساءلة والمعاقبة. كما يعتبر أن حمل الأطفال على ارتكاب الفحشاء أو الأفعال المنافية للحشمة جريمة يعاقب عليها القانون.

وتقتضي جريمة التحرش الجنسي أن يلجأ الجاني إلى استعمال وسائل معينة، أهمها إصدار الأوامر أو التهديد أو الإكراه أو ممارسة الضغوط، بقصد إجبار الضحية على الاستجابة لرغبات جنسية.

فكل من أكره قاصرًا لم يتم الخامسة عشرة من عمره، بالعنف والتهديد على مكابدة أو إجراء فعل منافٍ للحشمة عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن 6 سنوات (المادة 507 عقوبات).

ومن ارتكب بقاصر دون الخامسة عشرة من عمره فعلاً منافيًا للحشمة أو حمله على ارتكابه، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. ولا تنقص العقوبة عن أربع سنوات إذا لم يتم الولد الثانية عشرة من عمره (المادة 509 عقوبات). أمّا في حال كان الجاني من أصول المجني عليه أو أصهاره أو يمارس عليه سلطة شرعية... فالعقوبة بالأشغال الشاقة ترتفع إلى مدة لا تزيد عن عشر سنوات في حال كان القاصر بين الـ15 و18 من عمره (المادة 510 عقوبات).

كما تُرفع العقوبة إذا كان المجرم موظفًا أو رجل دين أو مدير مكتب استخدام أو عاملاً فيه، فارتكب الفعل مسيئًا استعمال السلطة أو التسهيلات التي يستمدها من وظيفته (المادة 511 عقوبات)

كما تعاقب المادة 519 من قانون العقوبات كل من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصرًا دون الخامسة عشرة من عمره، ذكرًا كان أو أنثى أو امرأة أو فتاة لهما من العمر خمس عشرة سنة دون رضاهما، بالحبس مدة لا تتجاوز الستة أشهر.

وقد صدرت عن القضاء اللبناني عدة أحكام قضائية تُجرّم وتعاقب الأشخاص الذين ارتكبوا أعمال تحرش جنسي أو أعمالًا منافية للحشمة بحق أطفال وقاصرين.
غير أنه لا بد من الإشارة الى أن مسألة الإثبات في جريمة التحرش الجنسي تبقى من أصعب المسائل على الإطلاق، حيث يواجه إثباتها عدة إشكالات، إذ إن تصريحات المجنى عليه لا تكفي لإقامة الدليل إن لم تكن هذه التصريحات مصحوبة بشهادة الشهود، تؤيدها معاينات موضوعية، مثل معاينة الطبيب الشرعي المختص.
 

 
 
في الختام، لا بد من القول إن وجود النصوص القانونية لحماية براءة الطفل والطفولة لا تكفي لتأمين هذه الحماية، بل يجب وضع تلك النصوص موضع التطبيق وتعزيز الترسانة القانونية من خلال تطوير قانون العقوبات وتسريع المحاكمات وتشديد العقوبات بما يسمح بردع هذه الجرائم.

كما ينبغي على جميع الشركاء في السلطات السياسية والتشريعية والقضائية والمؤسسات الأمنية والرسمية والأهلية والدينية والتعليمية والإعلامية والثقافية وجميع مؤسسات المجتمع المدني وعناصره، تكثيف الجهـــود لمحاربة هذه الجريمة وغيرها من الجرائم البشعة بحق الطفولة والمجتمع والانسانية، انطلاقًا من التربية الجنسية السليمة للطفل. وذلك لضمان بنية اجتماعية وأخلاقية متماسكة، وليتسنى للطفل إدراك أن للآخر حرمة عليه ألا يتعداها، وإن لجسده حرمة يجب ألا يتعدى عليها أحد، ابتداء من أبويه وصولًا إلى أي كان في العالم، وليعلم ويتعلَّم بالتالي أن المجتمع قيَّده في سلوكياته وقيد الجميع من أجله، وأن هناك دستورًا أخلاقيًا يحكم سلوك الإنسان وهذا ما يشكل أكبر ضمان لأن يعيش المجتمع في نطاق الفضيلة ويحارب الإباحية والفحش بجميع صورهما.

 
تحقيق JUL 22, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد