الكاردينال خورخي ماريو برغوليو.. البابا فرنسيس الأول!
البدايات
قيل وكتب الكثير عن تاريخ أسقف بوينوس أيريس. فهو كان يعيش في شقة متواضعة في العاصمة الأرجنتينية، متخلياً عن القصر الّذي يوضع بتصرف الأسقف. في تنقلاته، اعتمد دائماً على وسائل النقل العام، متخلياً أيضاً عن سيارة ليموزين وسائقها الموضوعين لخدمته. حتّى طعامه، كان يعدّه بنفسه.
خادم الفقراء، نصير الضعفاء، جعل من فترة أسقفيته مثالاً يحتذى به، فقاد ثورة على العادات والتقاليد، بدءاً من لباسه، مروراً بطريقة عيشه، وصولاً لتعاليمه. قليل الكلام هو، لكنّه عندما يتكلم، يسكت الجميع بذكائه وتواضعه.
.jpg)
الانتخاب
اختار الكرادلة ال 115، هذا الأسقف المتواضع، اليسوعي الأول، والأميركي الأول، بابا للكنيسة الجامعة. ومؤتمن على الكنيسة الكاثوليكية التي تضم مليار وربع مؤمن، منتشرين في كافة أصقاع الأرض. ظن البعض، أنه بوصوله الى كرسي الحبرية سنرى مظاهر العظمة والمجد الدنيوي الباطل. ففاجىء الجميع، وظهر بمجد التواضع والزهد، فتخلّى عن صليب الذهب، وتلقّى التهاني من باقي الكرادلة واقفاً معهم، ممازحهم، وليس جالساً على عرشه كما جرت العادة. وعند خروجه من الفندق، دفع تكاليف إقامته من جيبه الخاص، وليس على حساب الكنيسة.
اختيار الكاردينال برغوليو لاسم "فرنسيس"، تيمناً بفرنسيس الأسيزي، قصد من خلاله إيصال فكرتين مهمتين؛ 1- عرف عن القديس فرنسيس تخليه عن كل ما يملك واهتمامه بالفقراء والمرضى والضعفاء، وهذا دليل نهج البابا الجديد. 2- أسس القديس فرنسيس الرهبنة الفرنسيسكانية، التي تعتبر منافسة للرهبنة اليسوعية التي تدرّج منها البابا الحالي، كدليل قاطع على الوحدة التي يسعى إليها الحبر الأعظم.
.jpg)
مستقبل الكنيسة
فضائح كثيرة هزّت الكنيسة الجامعة في الفترة الماضية، والرّهان كبير على البابا فرنسيس. رجل رؤيوي، ثوري النهج، إصلاحي بامتياز، لكنه في الوقت عينه، محافظ على المبادىء والقيم المسيحية الوجودية، التي من خلالها نعيش ونمارس معتقداتنا. يريد أن تكون كنيسته للفقراء، وكم منا اليوم فقراء في الروح والإيمان؟ سيجعل من حكمه مثالاً صالحاً لكافة القادة، روحيين كانوا أم مدنيين، مسيحيين كانوا أو من غير المسيحيين، فالعالم بأجمعه انتظر فترة ما بعد البابا المستقيل "بينيدكتوس السادس عشر" - الذي نوجه له تحية كبيرة على خطوته الشجاعة والذي كان سبقه إليها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي نوجه له ألف تحية وتحية - فبابا روما هو قائد أكبر جماعة في العالم والأكثر انتشارا. ً
لبنان
للبابا فرنسيس علاقة طيبة مع الجالية اللبنانية في الأرجنتين، وهو من خلالها تعرّف على القديس شربل، وأصبح شفيعاً له ويصلّي له باستمرار، حتّى أضاف صور له في مكتبه الخاص في الفاتيكان. لبنان ينظر اليوم لروما بنظرة أمل وتطلّع لمستقبل مشرق، فلبنان الرسالة كما وصفه البابا يوحنّا بولس الثاني خلال زيارته للبنان، يرزح تحت احتلال السلاح، تحت احتلال، ولو كان في الشكل لبناني، إنما أبعاده سورية-إيرانية بامتياز. وكما قالها الحكيم في رسالة التهنئة التي وجهها للبابا المنتخب: "لبنان وكلّ المشرق معذّب وثائر لاجل الحريّة". ونحن اليوم بحاجة لصلوات الحبر الأعظم، وجهوده الحثيثة لقيامة لبنان والشرق، مهد المسيحية وأرض المسيح.
.JPG)
وجدان
كم نفتقد في حياتنا المعاصرة، البعض من التواضع والزهد، وبذل الذات من أجل الآخرين. البابا فرنسيس، هو خليفة بطرس الرسول، صياد الجليل المتواضع، على كرسي روما، وليس خليفة الأباطرة الرومان اللاهثين وراء العظمة الأرضية والمجد الفاني الباطل. عسى ان يتّعظ البعض من رجال الدين في عصرنا هذا، من نمط حياة البابا فرنسيس، ويعودوا للأساس، لرعاياهم، وتكون الكنيسة كما أرادها المسيح، للفقراء، للضعفاء، للمعوزين والمحتاجين. وعلينا نحن، كأبناء لهذه الكنيسة ووطن الرسالة لبنان، أن نتنازل عن عروشنا الوهميّة، ونعيش حياة، محاورها: الإيمان بربنا، التعلق بأرضنا، الحفاظ على كنيستنا. نحن ضعفاء، لكن الله رحوم، محب، مصغي وصبور.
بابا فرنسيس، لأجلك سنصلّي!