الشرق الأوسط، هي المنطقة الممتدة بحسب التعاريف العالمية من حدود دولة المغرب غرباً حتى الدول الأفغانيّة شرقاً شاملةً تركيا إيران والكيان الإسرائيلي.
تعاني الكثير من دول الشرق الأوسط من ضائقة الماء، وكما هو متعارف عليه عالميا ان الكمية المطلوبة لإدارة حياه عصرية هي 1000 م3 من المياه سنويا للفرد، فهذه الكميّة لا تتوفر في معظم دول المنطقة، كما وان هناك مشكلة أخرى وهي إن مصادر المياه لدولة معينة تتجدد في دولة أخرى. حيث يتساقط قسم كبير من الأمطار التي تغذي وتجدد مصادر المياه في دول مجاري وتصل إلى تلك الدولة عن طريق انهار أو مجمعات مياه جوفية التي تخطرق الحدود.

المشكلة الثانيّة هي مشكلة الدول التي تقع عند منابع الانهار دولية،التي يبدأ جريانها في دولة معينة وتكمل إلى أراضي المصب. فيكون لدولة المنبع أفضلية معينة على تلك الدول التي تجاورها والتي تجري فيها مياه النهر وتسمى دولة أسفل المصب. ومثال الأوضح على ذلك هو نهر النيل الذي ينبع من إثيوبيا ويجري إلى السودان ومن ثم إلى مصر. في هذه الحالة يمكن للنزاعات أو التوترات ان تنشا حول ملكية المياه!! والسؤال هو: هل يمكن لإثيوبيا أن تستعمل مياه النيل من دون تأخذ بالاعتبار مصالح جاراتها؟؟ والسؤال الثاني هو: ما مدى تعهد الدول العليا (دول أعلى المصب) أن تحافظ على جودة المياه التي تنتقل إلى جاراتها؟
وثيقة هلسنكي 1966
ويأتي الجواب على هذا التساؤل من خلال وثيقة هلسنكي (1966) التي وضعت خطوطا عريضة حول تصرف الدول التي تمتلك موردا مائيا مشتركا. والمبدأ الأساسي الذي تأخذه بعين الاعتبار هذه الوثيقة يعترف بالحقوق التاريخية للدول التي تقع أسفل المصب، بمعنى آخر: لا يحق للدول التي تقع أعلى المصب أن ترفع من معدلات استعمال مياه النهر المشترك إلى مستويات تمنع من الدول التي تقع أسفل المصب من استعمال مياه النهر كما كان في السابق. في حالة إثيوبيا ومصر، فان إثيوبيا لا تستعمل مياه النيل للري لأنهم يعتمدون على مياه الأمطار الوفيرة. وفي المقابل النيل هو مصدر المياه الرئيسي للمصريين منذ آلاف السنين، وعليه، فإنها بحسب مبدأ الحقوق التاريخية تمنع إثيوبيا من استعمال مياه النيل من اجل عدم تخفيض كميات المياه التي تصل إلى مصر منذ آلاف السنين.

أما المبدأ الثاني يتعلق بالمياه وينص على أن كل الدول التي لها مجمع مائي مشترك يفرض عليها أن تنسق فيما بينها لإقامة مشاريع مائية مشتركة وعدم استعمال المياه بصورة من شانها أن تضر بإحدى الدول.
والجدير بالذكر ان وثيقة هلسنكي ليست قانونا دوليا مُجبرا، إلا أن مبادئه مقبولة على جميع دول العالم بقاعدة للاتفاقيات حول استعمال المياه المشتركة.
ولكن واقع الحال مغير فدول المنبع (أعلى المصب) تعاني من تزايد كبير بالسكان، وتلجأ لإقامة مشاريع مياه عملاقة يمكنها أن تضر بدول أسفل المصب. مثال على ذلك تركيا حيث يسود جو من التوتر بينها وسوريا على خلفية بناء منظومة من السدود على نهري دجلة والفرات على يد الأتراك والتي يمكنها أن تؤدي إلى خفض ملحوظ في كميات المياه التي تصل إلى سوريا والعراق عن طريق هذين النهرين.

واقع الشرق الأوسط
أما بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي فان معظم مصادر المياه لا تتواجد في أراضيه كنهر الحاصباني الذي ينبع من لبنان ويغذي نهر الأردن، ونهر اليرموك الذي ينبع من سوريا. كما وان مجمعات المياه الجوفية تتقاسمها إسرائيل مع الفلسطينيين.
وفي إطار اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن تقرر تقاسم مياه نهر اليرموك بين الدولتين بحيث أن غالبية مياه اليرموك تبقى بيد الأردنيين لأنه يعد المصدر الأساسي للمياه بالنسبة لهم، كما وتقرر أيضا أن تخزن إسرائيل بعض مياه الفيضانات التي تجري في اليرموك شتاءا في بحيرة طبريا وان تزود الأردن ب-55 مليون م3 سنويا من المياه. وفي المقابل يسمح الأردنيون لإسرائيل باستغلال آبار مياه تقع في أراضيها في منطقة غور الأردن.
وتشير تقارير الأمم المتحدة التي تصدرسنوياً بمناسبة يوم المياه العالمي في 23 آذار، إلى النقص الخطير في المياه الذي يواجه سكان العالم، حيث يعاني 2.7 مليار إنسان من المياه النقية، ويعيش 5 مليارات إنسان في منطقة تواجه نقصاً في المياه العذبة، كما يموت 5 ملايين إنسان سنويا بسبب الأمراض الناتجة عن نقص المياه،وأصبح العطش شبح يهدد العالم بكامله خلال القرن المقبل،حيث العديد من الحوادث الحدودية المرتبطة بالمياه قد تتحول الى حروب مفتوحة بسبب النقص المتزايد في هذه الثروة الطبيعية الحيوية.
ولبنان ليس خارج هذه الدوامة، فإسرائيل تتهم لبنان بضخ مياه نهر الوزاني، احد روافد نهر الحاصباني الذي ينبع من لبنان ويصب في نهر الاردن الذي يصب في بحيرة طبرية الخزان الاساسي للمياه العذبة في اسرائيل.
الى جانب الخلاف الإسرائيلي – اللبناني هناك مناطق اخرى في الشرق الأوسط تشكل موضع خلاف قابل لان يتحول الى نزاع وهي:
تركيا-سوريا-العراق بسبب السدود التركية التي بنيت فعلا او تدخل ضمن مشاريع مستقبلية لمياه نهري دجلة والفرات.
ايران-العراق اللذان يتنافسان على شط العرب، ملتقى دجلة والفرات.
مصر-السودان-اثيوبيا حول مياه النيل.
مصر-السودان-ليبيا-تشاد-النيجر التي يدور بينها خلاف على حقل مائي جوفي بعمق 800 متر. وتريد ليبيا استثماره لشق نهر اصطناعي لتمد بذلك سواحلها بالمياه العذبة.
اوزبكستان-كازاخستان-قرغيزستان-طاجيكستان حول نهر امو داريا وسير داريا وبحر ارال.
وللمياه أهميّة كبرى وهي "السبب الاول للوفيات والامراض" فى العالم "بشكل مباشر أو غير مباشر"فثلاثة ملايين طفل يموتون سنويا بسبب النقص فى مياه الشرب".

ومن جهةٍ أخرى تتناقص منسوب مياه نهر الأردن، الذي يعتبر أحد أكبر الأنهار التاريخية في الشرق الأوسط، وعدم وصول هذا الرافد إلى مصبه في البحر الميت الذي ينخفض مستوى مياهه بمقدار متر واحد سنوياً، والتزايد السكاني المرتفع في المنطقة، والتحول بعض دولها نحو الصناعة سيشكل أكبر مشكلة على المدى القريب.
من هنا يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية للصراع على المياه في الشرق الأوسط، بثلاث نقاط:
دور الاستعمار في خلق الظروف ـ الجغرافية والسياسية ـ التي تسبب حالة استمرار النزاع الإقليمي حول التقاسم العادل لمصادر المياه.
تزايد الحاجة للمياه في المنطقة بسبب التنمية البشرية والصناعية.
قصور القانون الدولي في وضع قواعد عادلة تراعي المصالح المشتركة.