النزعة السياديّة مرّة جديدة في عين الاستهداف الإجراميّ...
أمّا المستهدِف فصاحب عقل إرهابيّ، لا رحمة لديه ولا شفقة. لا يتورّع عن إسقاط العشرات بين قتلى وجرحى، في وسط شارع مدنيّ مكتظّ، بغية شطب وسام الحسن جسديّاً من معادلة التصدّي لفتنه وعمليّاته الإرهابيّة.
قد لا يكون الوقت مناسباً لإبداء مواقف سياسيّة حازمة توجّه أصابع الاتّهام باتّجاه المستهدِف المعلوم، أكان مخططّاً خارجيّاً أم منفّذاً داخليّاً، ذلك على الرغم من أنّ المستفيد الوحيد من تغييب وسام الحسن معروف للقاصي والداني، خصوصاً أنّ سوابقَ عدّة كانت قد أثبتت تورّطه باستهداف الخطّ السياديّ والوطنيّ اللبنانيّ عينه، إن قضائيّاً أو عبر وثائق مسرّبة.
الوقت ليس مناسباً لتجييش النفوس -عن غير قصد طبعاً-، من خلال قول الأمور كما هي ليس إلّا، من دون حياء أو مواربة. خاصّة وأنّ استهداف الحسن بكلّ ما يمثّله الأخير وطنيّاً، على صعيد ترؤّسه شعبة المعلومات التي دأبت منذ انطلاقتها تضع الإصبع الأمنيّ على الجرح الإجراميّ الإقليميّ كما المحليّ، زَلزَل (الاستهداف) نفس كلّ وطنيّ حرّ يأمل في أن يصل سياسيّو بلاده يوماّ ما إلى بناء دولة فعليّة، لا تترك مجالاً لأيّ يكن لتقليم أظافر كلّ سياديّ تسوّل له نفسه أن يرفع الصوت عالياً، مطالبةً منه بحريّة وسيادة واستقلال وطنه...

قد لا يكون الوقت مناسباً في هذه الأثناء الحرجة للإضاءة أكثر على كلّ ما تقدّم. ولكن في مثل هذه الفواجع الوطنيّة، أضعف الإيمان أن يُنصف الكاتبُ الشهيدَ عبر إضاءة، ولو سريعة، على مسيرته التي استشهد نتيجتها، ولو كان (الكاتب) ينتقي الكلمات بكلّ تأنّ ورويّة...
وسام الحسن هو رجل الدولة والأمن... ذاك الذي أوقع في فخّ مناقبيّته، المشهود لها، العديد من شبكات تجسّس العدوّ الإسرائيليّ... هو نفسه الذي شكّل مع الشهيد، رفيق مؤسّسته الأمنيّة، الرائد وسام عيد، فريق عمل أسدل الستار عن المتورّطين في اغتيال الشهيد رفيق الحريري... وهو نفسه الذي ساهم في إنقاذ العديد والعديد من أبرز الشخصيّات السياسيّة اللبنانيّة من محاولة تصفيتهم جسديّاً... وهو كذلك من أماط اللثام عن العديد من المتورّطين في عمليّات الاغتيال أو محاولاتها، منذ العام 2004 وحتّى حينه...
أمّا آخر إنجازاته الأمنيّة، فكانت كشفه النقاب عن ما بات يُعرف بشبكة المملوك – سماحة التي أكّدت المؤكّد، بما لا لبس فيه، في ما يتعلّق بتورّط النظام السوريّ بمدّ يده الإجراميّة باتّجاه "شقيقه" لبنان!
وسام الحسن، قد تكون "تخطّيت الخطّر الأحمر" في إنجازك الأمنيّ البطوليّ الأخير، فدفعت أغلى الأثمان... ولكنّ كلّنا يعلم أنّك كنت دائماّ، مع كلّ الأسف، في دائرة الخطر الداهم، بفعل إنجازاتك هذه. وكلّنا يعلم كذلك، وأنت شخصيّاً كنت أكثر من تعلم وتردّد، أنّ ما من وطنيّة أكبر من أن يستشهد رجل الدولة، وهي شبه دولة، في سبيل قيامتها!
اليوم عُلّق وسامٌ جديد على صدرك يا وسام الحسن.
الصفعة جدّ قاسية، نعترف! إجرامهم وحشيّ، نعترف! ولكنّنا سوف نكمل المسيرة... فما من تكريم أوزن وما من وفاء أصلب من أن نُكمل مسيرة الشهداء، مهما اشتدّت المخاطر ومهما حاولوا أن ينالوا من مشروعهم الوطنيّ!
ميلوسوفيتش سقط... تشاوشيسكو سقط... قبلهما كثرٌ سقطوا، وبعدهما كثرٌ أيضاً، في دول مجاورة حتّى، كانت أنظمتها توصَف ب"الحديديّة"...
ما من مظلّة فوق رأس أيّ نظام سفّاح مجرم، ينحر شعبه، فكيف به إذاً يرحم الشعوب المجاورة؟
ولكنّ العتب ليس على ذلك العقل المريض، إنّما على من يسمّون أنفسهم حلفاء محليّين له. وهم في واقع الأمر إمّا مشاركين وأدوات تنفيذيّة لإجرامه، وإمّا شياطين خرس... ولا فرق أخلاقيّاً وإنسانيّاً بين كلتي الحالتين!