هي آفة منتشرة في مجتمعنا منذ زمن، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي في "البقاع" تزرع بهذه المواد المخدرة دون حسيب أو رقيب، وعلى رغم المحاولات العديدة من قبل السلطات المحلية لحصر هذه الزراعة والتوصل إلى منعها بشكل كلي، نجد في أغلب الاحيان أن مزارعي المخدرات وتجارها ومروجيها لا يأبهون للقانون والسلطة ويستمرون بتسميم الشباب اللبناني بحجج غير مقنعة، البعض يسأل عن الزراعة البديلة، والبعض الآخر يطالب يتشريعها وقوننة زراعتها إسوةً بزراعة "التبغ"، وآخرون يعتبرون نفسهم "الدولة".
فأصبح التحرك للحد من هذا السم القاتل واجب وطني، الإدمان على المخدرات يؤدي إلى اضطرابات بدنية وعقلية تعرف بـ"أعراض الانسحاب"، أهمها اضطراب الوعي، هلوسة سمعية وبصرية، خوف، نوبات من الصرع أو رعب نفسي بحيث يحس أن الموت قاب قوسين أو أدنى، مما يؤدي إلى تدهور المجتمع وبالتالي تدهور البلد على المدى البعيد.
والجدير بالذكر أن الحد من تعاطي المخدرات أمر يلحظ إهتمام دول عديدة، حيث إبتكرت روسيا طريقة جديدة لتحديد الميل للإدمان على المخدرات ونشرت الدراسة على موقع "روسيا اليوم" في 9 حزيران 2015، حيث تمكن علماء معهد بحوث الصحة النفسية بمقاطعة تومسك الروسية من وضع منظومة اختبارات تسمح بتحديد ميل الشخص للإدمان على المخدرات. هذا الاكتشاف يسمح بتحديد العوامل البيولوجية المؤثرة في الميل نحو الإدمان على المخدرات، وحسب رأي العلماء فإن الخضوع لهذه الاختبارات يساعد الأسر في معرفة احتمال تعاطي أبنائهم للمخدرات، أو ميلهم لذلك.
وفي لبنان محاولات عديدة لا تلقى آذان صاغية في المجتمع، رغم الحملة الواسعة التي قامت بها قوى الأمن الداخلي على مواقع التواصل الاجتماعي وأهمها عبر الحساب الخاص على موقع "تويتر" حيث يتم نشر ملصقات توعية مرفقة بشعارات تدخل إلى عمق الإنسان وتشعره بالمسؤولية.
لكن تركيبة المجتمع اللبناني المختلفة عن المجتمعات في المنطقة وعن المجتمعات العالمية تحتم معالجة هذه الآفة من منظار آخر، فكانت المبادرة من حزب "القوات اللبنانية" في الأول من شهر أيار الماضي خلال مهرجان "يوم الطالب" حيث وجه رئيس حزب "القوات" الدكتور سمير جعجع صرخة للحد من تواجد أناس في المجتمع يسوّقون نظريّات مجرمة وأهمها المخدرات، وأعلن عن تحضير مصلحة طلاب القوات حملة شلملة ضد المخدرات.
واكد نائب رئيس مصلحة الطلاب في "القوات اللبنانية" والمسؤول عن الحملة ضد المخدرات جاد دميان في حديث خاص لـ"ليبانون فايلز" انه "لا يمكن التحدث عن اهمية ان يتطرق حزب سياسي الى آفة إجتماعية مماثلة من دون التطرق الى اهمية الاحزاب السياسية واهمية انغماس الشباب بها"، مشدداً على ان "ما من مجتمع متطور يبنى وينجح من دون احزاب والنماذج الديمقراطية في العالم خير دليل على ذلك".
ورأى دميان "ان الحزب السياسي يضم في داخله مجموعة من الطاقات والشباب الذين يتمتعون بالتوجهات والمبادئ السياسية العريضة نفسها ويساهم العمل الحزبي بتعليم الفرد كيفية دمج استقلاليته مع استقلالية الآخر ما يدفعه للتخلي عن الانانية الذاتية لصالح المجموعة".
واوضح، ان "القوات التفتت لهذه الآفة بعد دراسة اجرتها اشارت الى تدهور في الارقام"، لافتاً الى "ان القوات لن تحقق المكاسب على المدى القريب، خصوصاً انها تطرح قضية صعبة ستواجه مقاومة من الشباب اللبناني في المجتمع". وشدد على ان القيمة الرمزية والمعنوية للحملة تعد امر اساسي اذ يتم التطرق فيها الى القيمة الوجودية والانسانية للشخص، مضيفاً: "هدف القوات ان تحافظ على الفرد كفرد قيمة بحد ذاته، اذ تعتبر ان الانسان ذات قيمة حتى لو انجرّ الى ظواهر غريبة".
دميان، اعتبر ان مبادئ "القوات" وشعاراتها لن تنجح الا بجهود شباب وافراد سالمين ومعافين كي يكونوا بمثابة سفراء للقضية القواتية والطروحات النظرية التي تسقط اذا لم تسلم الى عناصر فاعلة و"غير مخدرة".
واردف قائلاً: "القوات كسرت الاطار التقليدي التي اعتدنا اليه في الاحزاب اللبنانية بل تظهر نموذج جديد يكسر حالات الجمود لبناء دولة سليمة من خلال انجاح مؤسسات الدولة من جهة والمحافظة على المواطنين من جهة اخرى.
وعن تحضيرات الحملة في المعاهد والمدارس والجامعات، أكد دميان أن وتيرة العمل متسارعة ضمن استراتيجية واضحة تشمل مصلحة الطلاب لتمتد في المراحل المتقدمة لكافة قطاعات وأجهزة الحزب فيكون لهم الدور الفعال والمشاركة في الحملة.
وتابع، الحملة ستدخل حيذ التنفيذ في المدارس والمعاهد والجامعات مع بداية العام الدراسي الجديد، والتحضير مستمر لإطلاقها، والإنطلاقة سيكون ضخمة الحجم من خلال تجمع كبير يضم طلاب في كافة الخلايا التابعة لمصلحة الطلاب وبمشاركة الناشطين، تزامناً مع عدة نشاطات داخل الجامعات والمعاهد والمدارس وخارجها بالإضافة إلى أفلام قصيرة مصورة تعرض على وسائل التواصل الاجتماعي وكافة الوسائل الاعلانية اللبنانية.
وختم دميان، الحملة لن تتوقف وسنكمل المسيرة لنحقق الوعي الكافي لدى الشباب اللبناني لإدراكه مدى خطورة هذه الآفة، الحملة تمتد على سنةٍ كاملة تتبلور في عديد من التحركات والنشاطات والندوات، والشعار العام للحملة الذي يحمل الكثير من المعاني "لأنو حياتَك أبْدَى"، "Because your LIFE counts!" فتكون هذه الخطوة نقطة ايجابية بتاريخ الاحزاب اللبنانية، فإطلاق الحملة اليوم من المقر العام لحزب القوات اللبنانية في معراب سيكون المرحلة الاولى للتضامن والتعاون مع أطراف عديدة في المجتمع اللبناني على أمل أن تنجر هذه التجربة على كافة الفرقاء لأن هذه الآفة القاتلة تفتك بكل الشباب اللبناني.
وللدخول أكثر في تفاصيل تعاطي "المخدرات" وآثارها كان لا بدّ لنا من معاينة حالة "مدمنة" سابقاً وتحدث "إيلي" إبن العقد الثالث من العمر عن قصته لموقع "ليبانون فايلز" التي بدأت عندما كان يبلغ 15 سنة، وأثناء تواجده في كراج لتصليح السيارات من أجل تصليح سيارة والده حيث كان يعمل أحد الشبان من معارف إيلي الذي بادر وقال: "جربا يلا" ويتابع إيلي، "في البداية رفضت ولكن مع إصراره المستمر رضخت و"جربتا" وكانت تلك المرة الأولى التي شربت بها سيجارة "الحشيشة"، وبعد ذلك تطور الأمر وصرت أرتاد إلى منطقة البقاع وألتقي أحد أكبر المروجين وهو "ح. ج" الذي كنت أبتاع من عنده "البضاعة" حتى أصبح تردادي إلى بعلبك يومي وإنتقلت إلى مرحلة تعاطي كل أنواع المخدرات من الحشيش والكوكاين وماريوانا وغيرها إلا الهيروين".
وأضاف:" هذه المواد كانت تعطيني في الدقائق الأولى أو الفترة الأولية للتعطي شعور مزيف بالسعادة، ويعود لينعكس سلباً ويصبح شعوراً ممزوج باليأس وبشاعة، وبعد التوقف عن تناول هذه المواد بدأت حالتي النفسية بالتحسن تدريجياً وأصبحت قادراً على جمع أفكاري والتحمل المسوؤلية أصبحت أشعر بإسانيتي ".
وعن مرحلة العلاج أشار إيلي إلى "حادث" أدى إلى ألقاء القبض عليه دون أن يذكر تفاصيله، وعقب "دخلت السجن لفترة وإتخذت القرار بالتوقف عن التعاطي وكانت إيرادتي قوية ولم تكن فترة العلاج طويلة، بعد الخروج من السجن قطعت نهائياً العلاقة التي كانت تجمعني بـ"رفاقي" في مرحلة التعاطي الذين حاولوا مجدداً إدخالي في تلك الدوامة".
وشدد إيلي على أن "مواجهة المجتمع كانت صعبة، فمحيطي كان يعلم إني مدمن وفي الفترة الأولى كان الجميع يدل علي بالإصبع واليوم رغم مرور حوالي الست سنوات لا أزال أواجه نوع من "النفور" من البعض والبعض الاخر لا يزال يظن إنني مدمنا، وأنا طوال هذه السنوات عملت على تخطي الموضوع والعودة إلى حياتي الطبيعية فأكملت دراستي واليوم أشغل منصب مدير في المؤسسة التي أعمل بها بالاضافة إلى عمل أخر ورغم ذلك أعاني، فالمجتمع اللبناني يحارب الاشخاص الواقعين ضحايا هذه الآفة رغم التخلص منها ويتهمونك بالكذب، ولا يدرك غالبية هذا المجتمع أن "الإدمان" هو نوع من المرض يحتاج لعلاج والمدمن ليس بمجرم".
وتوجه إيلي إلى الشباب اللبناني بالقول: "لا تنجروا إلى هذه الخدع والأكاذيب، قد تشعرون لفترات قصيرة بالرضى أو بالإرتياح وهكذا يعمل هذا "السم" الذي يتغلغل في الجسم ويفتك به، كما يبعدك عن الحياة الاجتماعية ".
وختم، إن كان الهدف من هذه المواد هو الوصول إلى الراحة والصفاء أنصح بأفضل دواء "الصلاة" فهي من أفضل أنواع المخدرات التي تعطي فرح وسعادة حقيقيين في المسيح... فنصيحتي "أدمنوا الله".